التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن خطورة ظاهرة خفض التوقعات والطموح بقلم صلاح هنية

لم يبدع العقل الفلسطيني في لحظات الأزمة والمفصل التاريخي بصورة ملموسة وبات الحديث والنقاش والتعبير يحمل في طياته نوعا من التكرار الممل، الأمر الذي خفض سقف التوقعات واحبط الإمكانيات جراء حالة من تكسير المجاديف مارسها العقل الفلسطيني بوعي كامل. تتكرر تلك الحالة من الاحتجاج التي لم تتغير مفرداتها منذ فترة مع إعطاء شعور أن هناك جهة أحيانا تبدو خفية واحيانا يلصق الاتهام بظهر فرد أو مجموعة أفراد انهم سبب الوضع الراهن القائم بتفاصيله، وهذا يدخل ضمن مفاهيم علم النفس ( الإسقاط ) من منطلق أننا لسنا مسؤولين. والأكثر خطورة هي حالة نشر غياب الإمكانيات ونعت كل محاولة مجتمعية أو مبادرة تجمع بين وزارة حكومية مع جهات شعبية بانها نوع من الانتحار الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي. وفي هذا السياق جاءت الخطوة غير الحكيمة باستضافة رامي ليفي في اجتماع في نابلس ضمن مبادرة ( كسر الجمود ) وثارت ثائرة من ثارت ثائرته وتمت ممارسة التفريغ الاحتجاجي بوسائل مختلفة، وبالمحصلة حصل المحظور الذي كنا نحذر منه على مدار السنوات الثلاث الاخيرة من ناحية الاستخفاف بكل شيء على قاعدة اننا كنا نتصيد في المياه العكرة. لم يعد الكثير يرى حرجا بلقاء تطبيعي ويجد له عشرات التبريرات والتفسيرات ويجد له مجموعة من المؤيدين والمريدين، وهذا الاستخفاف على قاعدة عدم تضخيم الأمور وعدم المزايدة وعدم تسجيل المواقف الانفعالية قاد صوب الاستخفاف بكل احتجاج مدروس وعلمي على أساس انه غير مبرر. وحالة الاستخفاف وتصغير أهمية الاعتراض على وجاهته قادت إلى محاولة تصوير أي قضية على أنها محاولة في المسار العام وتصب في خدمة المصلحة الوطنية العليا،
والمحتجون لا يرون هذا الجانب المهم من القضية. وقادت تلك الحالة إلى وجود عدد لا بأس به من الكادر والقيادات الشابة يجلسون على قارعة الرصيف يتبادلون أطراف الحديث وكأنهم يتحدثون عن فلسطين وعن الشارع الذي يجلسون على جنباته أو عن الحي الذي يسكنونه كأنه مكان بعيد جدا ولا علاقة مباشرة لهم به، يتحدثون عن اشخاص مؤثرين وكأنهم في عالم آخر لم تعد تربطهم بهم اي رابط، اصيب هؤلاء بهزة عنيفة جعلتهم يراجعون مسيرة تاريخ طويل في العمل الوطني والاجتماعي والثقافي والتربوي وكأنه (غلطة) لا يجوز أن تتكرر. هذا الكم من الكادر والشباب والقيادات الشابة باتوا يبحثون ويحثون من حولهم على البحث عن البئر أو عين الماء التي يجب أن يشربوا منه لكي يعيشوا ذات الحالة التي يعيشونها هم من عدم المبالاة وعدم الرغبة باشغال النفس بقضايا لا طائل منها (إن انجنوا ربعك عقلك ما بنفعك) ويكررون استذكار تلك القصة عندما شرب أهل البلدة من البئر الذي سبب حالة فقدان الذاكرة وضياع التركيز الا اثنين من البلدة لم يشربوا منه فعادوا وشربوا لأن عقولهم لم تسعفهم. على قارعة الطريق الذي اقتحم من قبل آخرين من ذوي الحالة الجديدة المستجدة من الثراء المفاجئ وادعاء الوعي والإدراك تسود حالة مختلفة عنوانها محاولة اقحام الذات في الشأن العام من بوابات مختلفة، طالما أن البوابات مشرعة والتاركين لحلبتها يتكاثرون ليتقاسموا هؤلاء ذات قارعة الرصيف، هؤلاء يعتبرون رمز الدخول لديهم إلى الشأن العام عناوين قد تبدو في البداية مثيرة، تقييم تعسفي لكل الناس المنشغلين في هموم الوطن في محاولة للتقليل من اثرهم وأهميتهم على ذات قاعدة (الاستخفاف) الشائعة ومن ثم طرح الأفكار البديلة وتبدأ البدائل الاقتصادية التي يمثلون هم جوهرها على أساس أن الطارئ هو القاعدة والقاعدة هي الطارئ. لقد حذرنا على مدار السنوات الأخيرة من خطورة ظاهرة خفض سقف التوقعات والطموح، حذرنا من حالة الاستخفاف بالعقل الفلسطيني خصوصا عندما تجاوزنا عن المساهمة في التقليل من شأن التعليم والجامعات ومسيرة البحث العلمي، وإشاعة حالة من القص واللصق، وكأن ابداعا قد وقع ومن ثم نحيط هؤلاء بالاوسمة وننعت من حاول أن يفكر خارج الإطار بأنه متطفل على العلوم والبحث العلمي والتفكير العلمي، فنتصدى له بكورال اشباه الباحثين والمبدعين والمفكرين لا سمح الله. حذرنا على مدار السنوات الأخيرة من حالة انسداد قنوات التأثير على القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بصورة جعلت كل من هو صاحب تجربة ومعرفة وتاريخ خارج الدائرة ضمن منظومة معايير ممنهجة ومبرمجة لضمان حالة الإقصاء التعسفي لكل الخبرات مع ترافقها بحالة انسداد قنوات التأثير. حذرنا على مدار السنوات الأخيرة من انتصار جيش المريدين والسكرتاريا ومديري المكاتب على أهل الخبرة والمعرفة، واشرنا إلى أن ذلك مؤشر خطير سيترك بصماته السلبية على المستقبل الفلسطيني، فبتنا حاسدين غير قادرين على رفع أهليتنا لمستوى هذا الجيش. اليوم ... تعقد المحاكمات اللفظية ومحاكم التنميط في المجتمع لكل من حاول أن يفكر أو أن يلقي حجراً في المياه الراكدة أو أن يفكر بصوت مرتفع، بصورة تبدو بريئة تماما جوهرها أن "المجتمع عايز كده"، وللاسف فإن من يقاضي هم المتورطون في قضايا شبيهة باستضافة رامي ليفي، أو تفضيل ومنح الأفضلية لمنتجات وشركات إسرائيلية على حساب مقومات الاقتصاد الفلسطيني. باتت مراكز التنفيس لجيش ضحايا الإقصاء والتهميش والاستخفاف بقدراتهم والاستخفاف بتاريخهم النضالي قارعة طريق على رصيف هذا المقهى أو ذاك، وقليلا من التنفيس عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بات الحديث عن سقف توقعات مرتفع ضربا من الجنون ويحتاج إلى تجديد الشرب من ذاك البئر. استخلاص .... قد يجتهد البعض بالتقليل من اهمية وجود رامي ليفي في أحد منازل نابلس لصالح نبل الهدف من الاجتماع ذاته، لكن المكتوب يجب أن يقرأ من عنوانه، وبالتالي كثيرة هي النوايا الحسنة التي قادت اصحابها إلى جهنم. في ذكرى رحيل ابو عمار ... تصادف غدا الذكرى الثامنة لرحيل ابو الوطنية الفلسطينية القائد المؤسس ياسر عرفات، شخصيا اعتذر منكم سيدي الرئيس الراحل لأنني لم استطع أن اوسع دائرة الوفاء لكم ودائرة الالتزام بـ ( العهد هو العهد والقسم هو القسم )، فأنا امتلك الشجاعة في هذه الذكرى أن اعترف بانعدام المقدرة. لكنهم يا سيدي الرئيس الراحل حتما سيقولون في ذكراك الثامنة انهم ما زالوا لا يمتلكون الخبرة الكافية لإتمام متحف الذاكرة الخاص بتراثك وكوفيتك وبدلتك. حتما سيقولون لكم أن سرعة الإنجاز في الضريح لم تسعفهم في التدقيق في جودة الحجر الذي استخدم في تشييد الضريح لذلك نحن بصدد تدارك هذه السقطة الفنية في مواصفات البناء. نعتذر سيدي الرئيس الراحل لأن أخذاً ورداً يقع اليوم في مكان بعيد عنا نحن احباءك وتلاميذك وعناصرك حول نبش قبرك لأخذ العينات التي كانت يجب أن تؤخذ قبل ثمانية أعوام من الآن. وستبقى حاضراً فينا .... salah@pcp.ps تاريخ نشر المقال 10 تشرين الثاني 2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مهرجان التسوق": نابلس حققت قصب السبق ..... بقلـم: صلاح هنية

كان رتل الـمركبات شبه متواصل من حوارة إلى مدخل نابلس صباح السبت، ولـم تخف حركة السير على الشارع الرئيس من رام الله إلى نابلس... يوم السبت، باختصار هو أن أكبر سدر كنافة سيدخل موسوعة (غينيس) وسيتم إنجازه في نابلس على الدوار ضمن فعاليات مهرجان نابلس للتسوق. الـمبادرة بحد ذاتها تستحق الثناء؛ كونها جاءت في الـمكان الـمناسب؛ نابلس العاصمة الاقتصادية الـمحاصرة والـمعزولة منذ العام 0002، وهي أساس بالإمكان البناء عليه في الأعوام الـمقبلة. الاهم ان الـمشهد على مدخل نابلس الرئيس بداية شارع القدس بات مختلفاً، حيث ازدان، الاسبوع الـماضي، بلوحات اعلانية لـمنتجات غير فلسطينية إلى جانب اعلانات الترويج للـمهرجان، الدعوات توالت خصوصاً من "الراصد الاقتصادي" إلى محافظ نابلس بهذا الخصوص علـماً أن معظم الشركات الفلسطينية راعية للـمهرجان ولا تستحق الا الدعم والاسناد على فعلها الاقتصادي هذا، وهذه نقطة تسجل لنابلس، ومحافظها وفعالياتها. الاستجابة كانت سريعة فاستبدلت بإعلانات للـمنتجات الفلسطينية التي دعمت ودعت إلى مهرجان نابلس للتسوق، ومن الواضح ان موقف الـمحافظ هو الذي ادى لهذه النتيجة الطيبة، وترك آ

صلاح هنية: ‏إصرار على مكافحة الفساد الغذائي

رتفع كل فترة صرخات المستهلكين الفلسطينيين ضد الأغذية الفاسدة، والمنتجات المهربة من المستوطنات. ويؤكد رئيس جميعة حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية على محاربة هذه الظواهر، لافتاً الى وجود الكثير من المعوقات وهذا نص المقابلة: *هل من غطاء قانوني للمستهلك الفلسطيني؟ يتمتع المستهلك الفلسطيني بحقوق حمائية، إذ يتم تطبيق قانون حماية مستهلك عصري يحمل ‏الرقم 21 لعام 2005، ويغطي بشمولية قضايا المستهلك المحورية. وتتمثل هذه القضايا بضرورة إشهار الأسعار، ومحاربة الغبن ‏التجاري والغش والتلاعب بالأسعار والأغذية والسلع. وينظم القانون آلية حماية المواطنين، من خلال تأسيس جمعية ‏حماية المستهلك، والمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك، ويتيح للجمعيات رفع قضايا نيابة عن المستهلك دون أي ‏حاجة لتوكيل كونها جمعيات تمثيلية، ويركز على قضايا تنسيقية بين الجمعية والقطاع العام‎.‎ والجانب الثاني الإيجابي، ورغم حداثة عمر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، ورغم ضعف مواردها المالية إلا أنها ‏استطاعت تحقيق إنجازات، واستطاعت الضغط والتأثير على العديد من القرارات الحكومية بما يضمن حقوق المستهلكين. ‎*لكن، هل القانون والج