التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في ذكرى رحيل العربي باطما البلبل الصداح لفرقة "ناس الغيوان" *رسمي محاسنة



مرت في السابع من شباط ذكرى وفاة " العربي باطما " ، نجم فرقة " الناس الغيوان " المغربية الشهيرة. التي عملت انقلابا في مفهوم الاغنية ، ودورها ، ورؤيتها ، وحققت جماهيرية تجاوزت " جبال اطلس " الى العالم العربي والعالم .
التقيته مرة واحدة ، وتحدثنا عن مفهوم الاغنية الوطنية والسياسية ، والتاثير الكبير الذي احدثته اغاني " الناس الغيوان " في بحيرة الغناء الراكدة ، حيث سيطرة لون من الغناء المغاربي ، الذي كان يغلب عليه الطابع الديني ، التصوفي ، بما يحمله من شكوى ، ورجاء ، وهروب نحو الغيبيات، وكان " رحمه الله " يسأل عن مدى فهمنا هنا في " المشرق العربي " للمفردة المغربية ، الموغله في المحليه ، وكان جوابي ، ان نقص معرفتنا بكثير من المفردات ، يعوضه احساسنا بالموسيقى ، وبالاداء العالي المحمل بشحنة انسانية هائله من المشاعر في غناء الفرقة.
ولمعرفة فلسفة " الناس الغيوان " لا بد من الرجوع الى الفترة الزمنية التي ولدت من رحمها ، حيث الارهاصات والتحولات الكثيرة في المغرب وفي العالم ، فالوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المغرب ، كان يمر بمرحلة " سنوات الجمر " حيث الفساد والرشوة ، وغياب العدالة الاجتماعية ، والفقر ، و " سنوات الرصاص " حيث قبضة العسكر القاسية التي كانت تخنق الانفاس ، فيما العالم العربي خارج من هزيمة 67 ، وحركات التمرد الشبابية تجتاح العالم ، وحركة اليسار العالمي تتمدد بقوة ، ووجدت صدى لها في ثورة الطلاب " فرنسا " 1968 ، وظهرت فرق موسيقية عالمية ، تكسر المألوف في الشكل الموسيقي ، والمضامين ، حيث فرقة " الرولينغ ستونز " و" البيتلز " وفرقة " بنك فلويد " التي كانت تدعو للتمرد على المؤسسة التعليمية ، والاجتماعية ، والاسرة ، والمؤسسة الامنية ، وتجاوب شباب العالم مع هذه الفرق بشكل ظاهرة لا مثيل لها ، وظهور " الهيبيين " والمتمردين على واقع بكاملة .
وسط هذة المناخات ظهرت فرقة " ناس الغيوان " الذين بدأوا في المسرح ، مع المخرج " الطيب الصديقي " الذي اعطاهم حرية الحركة ، والقول ، على المسرح ، هذة الارتجالات التي وجدت قبولا وتفاعلا لدى الجمهور ، ادركوا من خلال رصدهم لردة الفعل هذه ، بمدى تاثير الموسيقى والغناء على وجدان الناس ، بعد ان لمسوا سحر اغنية " الصينية " واغاني مسرحية " الحراز " على جمهور " مسرح البلد".
وفي هذه اللحظه يقرر المبدع الراحل " بوجميع " ان يشكل فرقة غنائية ، ليجمع معه " العربي باطما " و" عمر السيد " و" علال يعلى " ليكون عام 1971 شاهدا على انطلاقة فرقة انحازت بالمطلق ، للناس البسطاء وهمومهم ، واصبحت لسانهم الذي يعبر عنهم ، ومنبرهم في " سنوات الرصاص ". فهم جميعا قادمون من رحم هذا المجتمع ، وتحديدا من البادية الاكثر براءة ، وفقرا ، وقهرا ، والاكثر معاناة من اساليب الظلم وادواتة القاسية ، التي خلقت انكسارات وهزائم ، ووجع يمتد على حدود الوطن ، وتجهيل واقصاء ، كانوا جميعا " ابناء امهاتهم " كما يقول " عمر السيد " احد الباقين من الفرقة ، سمعوا وتعلموا من امهاتهم ، عبقرية الرد ، والقول ، والتحدي ، والاصرار على الحياة ، فالام هي الشاهد الاكبر على الواقع ، والاقرب الى ابنائها في ظروف الفقر والقهر والظلم . اعادوا انتاج ما ورثوه في شكل غناء وموسيقى ، لم تجد صعوبة بالوصول الى الناس ، لانها جاءت بمثابة البوح عن ذلك المكنون من المسكوت عنه ، خوفا ورهبة ، او عجزا تحت وطأة مذلة رغيف الخبز ، وهامش الحرية المفقود .
" العربي باطما " القادم من " الشاوية"، الصحراء البائسة ، الى " الحي المحمدي " في الدار البيضاء ، في حي من الصفيح ، وسكن بائس فقير ، في المدينة العمالية ، حيث كان والدة يعمل في سكة الحديد ، وقضى طفولة مشردة ، عاش فيها تفاصيل حياة الفقر باقسى مفرداتها ، للدرجة اتلتي تم طرده فيها من المدرسة ، حيث لم يكمل دراستة ، فترة المشاكسة والتأمل ، والجلوس الطويل تحت شجرة " البطم " القديمة ،لم يكن احد يتوقع ان هذا الفتى سيكون الوريث الشرعي ، للزجال " عبدالرحمن المجذوب " بعد ثلاثة قرون ، واللقب " المجذوب " اطلقه السياسيون عليه في حينه ، حتى يقللوا من قوة تاثير اشعارة على الناس ، لكن المغاربة ، حقظوا اشعاره ، وتوارثوها جيلا بعد جيل ، بكل ماتحملة من نقد واتهام صريح للطبقة الحاكمة ، وكل المستبدين ، هذا الموروث جاء " العربي باطما " ليعيد انتاجة ، شعرا ، وغناء ، وتمثيلا ، من خلال " الناس الغيوان " خاصة بعد رحيل " بوجميع " في موته " الملتبس " الذي كل الدلائل تشير الى انه مات مسموما ، فيتصدى " العربي " للمهمه ، وتبدأ مرحلة جديدة للفرقة ، من خلال الاغاني التي استجمع فيها ما يختزنة من موروث ، ومن حكايا "والدتة" ، يعيد صاغتها موسيقيا ، وغنائيا ، واداء باحساس قل نظيرة ، فهو " البلبل الصداح " بكل ما يحملة صوتة من قوة ، وشجن وحزن ، وتفاؤل ، بحضورة الطاغي ، وقامتة المهيبة ، وشعرة الطويل المنسدل ، وملامح الفروسية والجرأة التي يحملها وجهه، صوت يحمل موسيقاة الداخلية التي تمايل ورقص معها الشباب المغاربي ، رقصات اقرب للصوفية والهذيان ، كأن صوتة معادلا للواقع البائس الذي يعيشونه ، يحملهم الى عوالم " مشتهاة" تحملهم ولو لبعض الوقت ، الى عالم من صناعتهم واحلامهم ، ونموذجهم امامهم ، انه " العربي "يكفي فقط ان نسمعه ونشاهده وهو يقدم موال اغنية " السقام" ، التي يستصرخ فيها اهلة ومجتمعه ، ويتساءل عن الضؤ الذي مايزال محجوبا ، والخق الغيب للناس بحياة انسانية كريمة تليق بهم .
لم يكن العربي مولفا غنائيا ، وموسيقيا ومطربا فقط ، لكنه ايضا كاتب سيناريو ، وممثل تلفزيوني ، وروائي ، شارك بالعديد من المسلسلات والاقلام ، ونشر في حياتة رواية " الرحيل " التي تعتبر فتحا جديدا في الرواية العربية ، من حيث سرد السيرة الذاتية ، والبوخ ، والاعتراف ، بجرأة ، اعتقد ان قليل قليل من المبدعين من يجرؤ عليها . بوصفة للبيئة ، وظروف حياتة ومعيشتة ، وعائلتة ، ووالدة ، والكثير الكثير عن مغامراته وحماقاتة في فترة مبكرة من حياتة.
ويستكمل سيرتة برواية " الالم " التي كتبها في سبعة ايام ، وهو في المستشفى ، يسابق الزمن ، ويتنافس مع " الموت " لكسب صباح جديد ، هذة الرواية التي يحكي فيها تجربتة ، ويسترجع ذكريات مسيرته ، باسلوب متداخل ، يختاط فيه الزمن الروائي ، يكتي يوميات موتة الذي يقف له على الباب ، وجولات العلاج ، والترهل والامبالاة في المستشفيات ، والاطباء الذين لايهتمون لموت الناس .
لقد عرف " العربي " ان السرطان ينهش صدرة بالصدفة عندما كان يصور احد الافلام في المستشفى ، ويشكو للطبيب الاعراض التي يعاني منها ، لصعقه الطبيب بحقيقة المرض الخبيث ، وكما ذهب صديقة ورفيقة " بوجميع " في موت " ملتبس " فان " العربي " ذهب في موت " فجائعي " هد شبابة وحيويتة ، يتحدث عنه في رواية " الالم " بحزن وايمان عميقين .
لم يمهله الموت ، ليكون صباح يو م السابع من شباط 1997 نهاية مبدع اعطى من روحة ، واحساسة ، دفقات من الابداع التي ستبقى خالدة ، وعلامة فارقة سواء على مستوى الموسيقى والغناء وتاثيرة بوجدان الناس ، او على مستوى " النموذج " الذي قدمه للمبدع الحقيقي ، المسكون بامال الامة وهواجسها ، والقريب من احلام الناس البسطاء " المهمومين " ، الباحثين لهم عن مكان تحت الشمس ، ولم يكن اسيرا لموروثة المحلي ، وهموم بلدة فقط ، انما تعدى ذلك الى البعد العربي والانساني ، وكان طبيعيا ان لايغيب الشرق ولا فلسطين عن باله ، فجاءت اغنية " صبرا وشاتيلا " ، تم اغنية " دومي يا انتفاضة دومي " ، و"صهيون " و" الصهاينة " حاضرون في تراث " ناس الغيوان " فهم " سرطان " الامة الغائبة عن الوعي والدور .
رحل " العربي باطما " رحل ابن " رحال " وصاحب رواية " الرحيل " ، المتمرد الذي رفض هو فرقتة ان يتم احتوائة تحت اي تنظيم او مسمى سياسي ، لان روحة اكبر من ان يتم احتوائها ، وحزبه هو " الناس " البسطاء والمعدمين ، المقهورين ، والمقموعين بسطوة السلطة والمال ، وليعطي نموذجا للانسان " الموقف " المنحاز الى الناس ، بعيدا عن اية حسابات ، ونموذجا كم نحن بحاجة لاستذكارة ، واسترجاعة ، وسط هذه الحالة من " التواطؤ " التي يعيشها الفن عموما ، -الا من رحم ربي -.
غادر " البلبل الصداح " وتم رثاؤة باغنية " مايدوم حال يا مجذوب الغيوان " التى ودعته فرقتة بها ، بعد ان مات رفيقه " بوجميع " واصاب الجنون رفيقه الثاني "علال " ، ومايزال " عمر السيد " يقاتل لجمع تراث الفرقه ، في الوقت الذي لم يتم الاحتفاء بهم بمايليق بهم ، من تكريم ، والمؤسف اكثر ، ان غالبيتنا هنا في المشرق العربي لايعرفون الكتير عنهم .
الا يكفينا اننا عشنا في زمن الناس الغيوان ؟؟؟؟؟.

تعليقات

‏قال غير معرف…
من اراد ان يتعلم الدوق الفني واسرار الموسيقى فليعد الى هده الفرقة التي كل واحد فيها يشكل هرما فيها والعربي باطما ةعبد الرحمان باكو بالخصوص

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مهرجان التسوق": نابلس حققت قصب السبق ..... بقلـم: صلاح هنية

كان رتل الـمركبات شبه متواصل من حوارة إلى مدخل نابلس صباح السبت، ولـم تخف حركة السير على الشارع الرئيس من رام الله إلى نابلس... يوم السبت، باختصار هو أن أكبر سدر كنافة سيدخل موسوعة (غينيس) وسيتم إنجازه في نابلس على الدوار ضمن فعاليات مهرجان نابلس للتسوق. الـمبادرة بحد ذاتها تستحق الثناء؛ كونها جاءت في الـمكان الـمناسب؛ نابلس العاصمة الاقتصادية الـمحاصرة والـمعزولة منذ العام 0002، وهي أساس بالإمكان البناء عليه في الأعوام الـمقبلة. الاهم ان الـمشهد على مدخل نابلس الرئيس بداية شارع القدس بات مختلفاً، حيث ازدان، الاسبوع الـماضي، بلوحات اعلانية لـمنتجات غير فلسطينية إلى جانب اعلانات الترويج للـمهرجان، الدعوات توالت خصوصاً من "الراصد الاقتصادي" إلى محافظ نابلس بهذا الخصوص علـماً أن معظم الشركات الفلسطينية راعية للـمهرجان ولا تستحق الا الدعم والاسناد على فعلها الاقتصادي هذا، وهذه نقطة تسجل لنابلس، ومحافظها وفعالياتها. الاستجابة كانت سريعة فاستبدلت بإعلانات للـمنتجات الفلسطينية التي دعمت ودعت إلى مهرجان نابلس للتسوق، ومن الواضح ان موقف الـمحافظ هو الذي ادى لهذه النتيجة الطيبة، وترك آ

صلاح هنية: ‏إصرار على مكافحة الفساد الغذائي

رتفع كل فترة صرخات المستهلكين الفلسطينيين ضد الأغذية الفاسدة، والمنتجات المهربة من المستوطنات. ويؤكد رئيس جميعة حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية على محاربة هذه الظواهر، لافتاً الى وجود الكثير من المعوقات وهذا نص المقابلة: *هل من غطاء قانوني للمستهلك الفلسطيني؟ يتمتع المستهلك الفلسطيني بحقوق حمائية، إذ يتم تطبيق قانون حماية مستهلك عصري يحمل ‏الرقم 21 لعام 2005، ويغطي بشمولية قضايا المستهلك المحورية. وتتمثل هذه القضايا بضرورة إشهار الأسعار، ومحاربة الغبن ‏التجاري والغش والتلاعب بالأسعار والأغذية والسلع. وينظم القانون آلية حماية المواطنين، من خلال تأسيس جمعية ‏حماية المستهلك، والمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك، ويتيح للجمعيات رفع قضايا نيابة عن المستهلك دون أي ‏حاجة لتوكيل كونها جمعيات تمثيلية، ويركز على قضايا تنسيقية بين الجمعية والقطاع العام‎.‎ والجانب الثاني الإيجابي، ورغم حداثة عمر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، ورغم ضعف مواردها المالية إلا أنها ‏استطاعت تحقيق إنجازات، واستطاعت الضغط والتأثير على العديد من القرارات الحكومية بما يضمن حقوق المستهلكين. ‎*لكن، هل القانون والج