التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لقدس ........ما بين أعلامها ومكانها ورؤى فلسطينية ... بقلم: صلاح هنية





القدس معركة يسعى الاحتلال جاهدا إلى حسمها ولكنه لم يتمكن لغاية هذه اللحظة من حسما كليا ؟؟؟؟؟
مقبلات بداية الزيارة إلى القدس بعد عامين من الغياب القصري، عامان تغيب خلالهما عن أي مكان في العالم وتعود إليه قد تجد أن تقدما ما قد وقع، لكن القدس أمر مختلف جذريا؛ فهي تتغير ولكن بشكل خطير ومقلق على المستوى السياسي والوطني والاجتماعي والاقتصادي والعاطفي والوجداني والأخلاقي. القدس اليوم ليست مثلما كانت قبل عامين، وهي لم تكن قبل عامين مثلما كانت عليه قبل عامين مضيا على ذلك التاريخ.

باختصار ما يقع في القدس اليوم هو تسارع محموم باتجاه محو تراث وتاريخ وحضور إنساني واسع وذكريات وأماكن وقصره بأدوات غير شرعية على ما يريده المحتّل وتغييب كل الشواهد الباقية عبر الدهر. وهذا التغيير واضح أنه عشوائي تدميري فقط لأظهار عناصر القوة أن الاحتلال يستطيع. فالقطار الخفيف ليس هدفا تنمويا ولا تطويريا ولا يحزنون، بل هو أعلان أن بلدوزرات الاحتلال من طراز كتربلير تضرب الأرض تحت أقدامنا لتقول أننا هنا قوة احتلالية تغير كما تشاء. والأمر لا يختلف تماما في موضوع الاستيطان وجدار الفصل والعزل ورفع الأعلام الإسرائيلية في طرقات المدينة، والاستقواء بأوامر عسكرية تارة وطورا بالمناطق الخضراء لمنع البناء وتارة بفحوصات جودة جديدة وتصريح صحة للمنتجات الفلسطينية حتى تباع في القدس.

المكان غير ذات المكان بغض النظر عن ما نعرف ونريد. هناك من يعمل على إعادة رسم خارطتنا وتضاريسنا العقلية والنفسية والشعورية مع علمه المسبق أنه يعمل ضد الطبيعة المؤلم بالنسبة لي أنني لم اتوجه إلى القدس سياحة ولا لتغيير الجو. هدفي من الزيارة تقديم واجب العزاء بوفاة استاذي ورئيسي المباشر في العمل على مدار ثلاثة عشر عاما. أنه المربي المرحوم بإذن الله نهاد ابو غربية رئيس ومؤسس الكلية الابراهيمية في القدس. لست مبالغا أن الألم كان يعتصر قلبي، ليس فقط لأنني احترم وأقدّر الرجل واعترف بجميله علي، ولكن الألم تضاعف عندما بت لا استيطع الوصول إلى القدس لزيارة استاذي وزوجته اللذين لم يعودا يتمكنان من زيارة رام الله لأسباب عدة على رأسها الاحتلال وإجراءاته.

ذهبت صوب بيت العزاء في الكلية الابراهيمية في الصوانة فوجدت أن كل زاوية في هذا المبنى تذكرني بالاستاذ (ابو وجدي) وذكريات ايام العمل مع المرحوم الشاب (وجدي). اشتعلت الذكريات أكثر وأكثر عندما التقيت أسرة الابراهيمية (ابو صالح غنيم، عصام البشيتي، عبد الغفار بدر، عبد السلام ابو ارميلة، قاسم المشعشع، عمران الجبريني، بشير، زكريا غرابلة وغيرهم) وكأن التاريخ عاد بي ثلاثة وعشرين عاما إلى الوراء يوم كنا نعمل هناك، يوم كنا ندخل مكتب الاستاذ نهاد ابوغربية لنستمع عن قصة النجاح في تأسيس الابراهيمية، عن أيام الابراهيمية في شارع صلاح الدين، وكم من مرة انتهت مظاهرة لطلبة الإبراهيمية باعتقاله.

تذكرت مكتبة الكلية وحرصه الدائم (رحمه الله) على أن تحوي أحدث المطبوعات من الكتب والدوريات والموسوعات المعرفية. كان حريصا على مواكبة التطور وتوفير أجهزة الحاسوب منذ الثمانينات يوم كانت تلك التكنولوجيا في بدايتها، لتتوّج بمعهد وجدي ابو غربية التكنولوجي. تذكرت رعايته للطفولة وحرصه على تحصينهم بالعلم والمعرفة وتنمية مواهبهم الفنية والرياضية والثقافية.

ترجل الفارس والحلم لا زال حاضرا يفكر في توسيع المبنى ويحث المهندسة على اتمام المخطط الهندسي وكان له ذلك قبل دخوله المستشفى وقبل أن يلقى وجه ربه.

استاذي المرحوم نهاد ابو غربية رحمك الله. واذا كان هناك من خسارة فهي للقدس ولفلسطين ولكل من تلقى علما على يديك أو استمع إلى نصيحة أو توجيها منك، وانت اليوم تلحق بركب رجالات القدس من عارف العارف وخليل السكاكيني واسحاق الحسيني وفيصل الحسيني وسعد الدين العلمي وحسن طهبوب وفائق بركات وغيرهم.

هرولت صوب البلدة القديمة من باب العامود وأنا أنظر حولي إلى كل حجر ودكان ومدخل لعلي لا أعود إلى هنا الا بعد عامين أو أكثر أو ربع قرن أو أقل فانتابني شعور أن عليّ أن أحفظ عن ظهر قلب وجود المكان والتفاصيل وكل الأشياء التي تخطر على بال أو لا تخطر على بال.

انتابني شعور أن عليّ أن أطمئن على المكان؛ عرجت صوب مطعم ابو شكري فوجدته قد أغلق مبكرا. عدت صوب طريق خان الزيت لأطمئن على حلويات جعفر، وازحيمان، وعرجت صوب السلفيتي فالقيت عليه التحية فخرج ليسلم علي من القلب وقفنا نتبادل أطراف الحديث فاختصر لي الوضع بجملتين مختصرتين فهمت من خلالهما الرسالة بوضوح. عرجت على قهوة الأعرج فوجدت أن الباب نصف فتحة والأراجيل عامرة. سرت باتجاه سوق العطارين ولا زالت الأمور على حالها هناك، وفي الطريق إلى المسجد الأقصى كان التجار على الجانبين على عهدهم: ابتسامة عريضة مع دعوة لزيارة المحل تارة بالعربية وتارة بالانجليزية وتارة بالفرنسية لعل وعسى.

على بوابة المسجد الأقصى كانت الشرطة وحرس الحدود بكامل عتادهم من عصي وبنادق وكلبشات وخوذ وواقي كأنك تدخل ساحة حرب حيث بيت الله للعبادة والدعاء، تحفظ وتصان في كل ارجاء الدنيا الا في قانون المحتل. كنت هنا أكثر حرصا لكي أحفظ تقاصيل المكان واتجه صوب الساحة التي كانت تحوي الأعمدة التي سحبت من ساحة الأقصى لتذهب صوب الكنيست، حرصت على أن اجتهد في الصلاة خوفا أن لا أعود إلى المكان الا بعد زمن طويل، تأملت كل زاوية لكي تتفوق الذاكرة التصويرية على الذاكرة المعرفية لدي.

تجولت في شارع صلاح الدين وذهبت صوب التلة الفرنسية والشيخ جراح. زرت عائلات صديقة هناك فوجدت أن شيئا جوهريا لم يقع: حديث عال الجودة لا زال حاضرا والتقاط الكتاب عن رف المكتبة في المنزل كمرجع وتوثيق للرأي والفكرة عادة لا زالت راسخة، والحكاية هنا ليست كتب من صنف (هات ايدك والحقني)، بل هي من صنوف الموسوعات وأدب الرحلات والسيرة الذاتية لعلم من أعلام القدس، تتصاعد فخامة المواضيع التي تكتسب نكهة خاصة من رجال وسيدات لهم ولهن باع طويل في الحياة والعمل الاجتماعي رسمن معالم مسيرة مشهود لها، هناك تكتسب المواقع والتاريخ والجغرافية والتربية والتعليم معان أخرى تتفوق على ما دونها وهي كثيرة وواسعة، قلت الحكاية أن العراقة والمضمون والوعي ضمانة أكيدة في وجه كل محاولات التزوير والتزييف وسرقة المكان.

لا زال الذوق العالي الرفيع سيد الموقف في القدس عنوان المرحلة ومحور اهتمامها، ذوق يدفعك أن تكون أسيرا له بصورة أو بأخرى؛ فأنت مرحب بك أينما حللت وضيفا كريم جريا على العادة المقدسية التي أكسبت المدينة صبغة مكان مفتوح للجميع على مر التاريخ، جمال الأمكنة فيها تعبير عن الذوق الرفيع. وللأمانة أنا منحاز بعنف لقضايا الذوق المقدسي الذي يتجسد لدى الأسر المقدسية، هو ذوق نابع من قناعة وسلوك راسخ يتجسد حضورا قويا في الواقع اليومي.

عدت ادراجي إلى ما وراء جدار العزل والفصل والحاجز حيث لا مجال امامك (الله يعلم متى المرة القادمة) تجد تجمعات صفراء من تاكسيات العمومي وأناس وباعة ينظرون صوب الخارجين من سلسلة ابواب دوارة وقضبان حديدية تفصلك عن المرحلة التي تليها أنت وحدك بالكاد أن تمر وأن حملت كيسا فتصبح نادرة من النوادر لأنك لا تستطيع تدبر أمرك، ينادونك هؤلاء لتشتري لتقلك سيارتهم حيث شئت وغيره.

النقاش خلف جدار الفصل والعزل يدور عن القدس ولكنها اليوم تحمل معنا أخر. إنه الحديث عن ذلك المجهول غير المعرّف غير الحاضر، والنقاش قاس قليلا يحمّل الأمور ما لا تحتمل ليس نتيجة ولكن لأن المكان غاب عن الأنظار وباتت الذاكرة مشوشة بخصوصها وهذا ليس ذنبهم.

باختصار نحن اليوم لسنا بحاجة لوصف حال القدس .... ولا إعادة اختراع العجلة ضمن خطط وتصورات .....

نحن اليوم في أمس الحاجة إلى بلدوزر يؤمن بالعمل والعطاء اللامتناهي شعاره الأساسي أن معركة القدس لن تحسم الا لصالح كونها عاصمة الدولة الفلسطينية .... هذا البلدوزر يجب أن يكون رأسه المدبر منظمة التحرير الفلسطينية وسواعده التنفيذية فصائلها .... يجب أن تكون الحكومة الفلسطينية أكثر جرأة في موضوع القدس بحيث تخلق اشتباكا من أجلها عبر دمجها في التوجه التنموي وإسناذ أهلها .... المنظمة والفصائل والحكومة والمجتمع المدني يجب أن يكفوا فورا عن بيانات الأدانة والاستنكار والشجب للقضايا التي تقع بحق القدس .....

اتمنى أن نرى مساحة أوسع للقدس في جلسات الحكومة الفلسطينية وأن لا نظل ندور في فلك الهيكليات والمربعات والخانات فيها، وأن لا نفكر في استثناء هنا وهناك لقرار وقف الترقيات والتعينات تحت يافطة بحث استراتيجيات بصورة تفتح الباب أمام تعديل أو توسيع في الهيكليات وإعادة الهيكلة بصورة تطرق باب الترقيات والترفيعات والتعينات المجمدة منذ 8/3/2009....

دولة الدكتور سلام فياض ....
نقبل استثناءات تلو استثناءات إن كان الأمر يتعلق بالقدس وصمود أهلها وحماية مقدساتها وتراثها المعماري وتاريخها ومؤسساتها .... نقبل استثناء للقدس في قرار يتعلق بمشروع إسكان أو دعم إسكان أو دعم القطاع السياحي أو غيره من المشاريع التنموية .....

الأخوة في حركة فتح .....

أين تقف القدس من وثائق ورؤى المؤتمر الحركي العام السادس .....

أين تقف القدس من محتوى مبادئ وأهداف وقواعد حركة فتح .....

أين تقف القدس اليوم من مكونات ومفردات الخطاب الفتحاوي .....

أين الاستثناء؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مهرجان التسوق": نابلس حققت قصب السبق ..... بقلـم: صلاح هنية

كان رتل الـمركبات شبه متواصل من حوارة إلى مدخل نابلس صباح السبت، ولـم تخف حركة السير على الشارع الرئيس من رام الله إلى نابلس... يوم السبت، باختصار هو أن أكبر سدر كنافة سيدخل موسوعة (غينيس) وسيتم إنجازه في نابلس على الدوار ضمن فعاليات مهرجان نابلس للتسوق. الـمبادرة بحد ذاتها تستحق الثناء؛ كونها جاءت في الـمكان الـمناسب؛ نابلس العاصمة الاقتصادية الـمحاصرة والـمعزولة منذ العام 0002، وهي أساس بالإمكان البناء عليه في الأعوام الـمقبلة. الاهم ان الـمشهد على مدخل نابلس الرئيس بداية شارع القدس بات مختلفاً، حيث ازدان، الاسبوع الـماضي، بلوحات اعلانية لـمنتجات غير فلسطينية إلى جانب اعلانات الترويج للـمهرجان، الدعوات توالت خصوصاً من "الراصد الاقتصادي" إلى محافظ نابلس بهذا الخصوص علـماً أن معظم الشركات الفلسطينية راعية للـمهرجان ولا تستحق الا الدعم والاسناد على فعلها الاقتصادي هذا، وهذه نقطة تسجل لنابلس، ومحافظها وفعالياتها. الاستجابة كانت سريعة فاستبدلت بإعلانات للـمنتجات الفلسطينية التي دعمت ودعت إلى مهرجان نابلس للتسوق، ومن الواضح ان موقف الـمحافظ هو الذي ادى لهذه النتيجة الطيبة، وترك آ

صلاح هنية: ‏إصرار على مكافحة الفساد الغذائي

رتفع كل فترة صرخات المستهلكين الفلسطينيين ضد الأغذية الفاسدة، والمنتجات المهربة من المستوطنات. ويؤكد رئيس جميعة حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية على محاربة هذه الظواهر، لافتاً الى وجود الكثير من المعوقات وهذا نص المقابلة: *هل من غطاء قانوني للمستهلك الفلسطيني؟ يتمتع المستهلك الفلسطيني بحقوق حمائية، إذ يتم تطبيق قانون حماية مستهلك عصري يحمل ‏الرقم 21 لعام 2005، ويغطي بشمولية قضايا المستهلك المحورية. وتتمثل هذه القضايا بضرورة إشهار الأسعار، ومحاربة الغبن ‏التجاري والغش والتلاعب بالأسعار والأغذية والسلع. وينظم القانون آلية حماية المواطنين، من خلال تأسيس جمعية ‏حماية المستهلك، والمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك، ويتيح للجمعيات رفع قضايا نيابة عن المستهلك دون أي ‏حاجة لتوكيل كونها جمعيات تمثيلية، ويركز على قضايا تنسيقية بين الجمعية والقطاع العام‎.‎ والجانب الثاني الإيجابي، ورغم حداثة عمر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، ورغم ضعف مواردها المالية إلا أنها ‏استطاعت تحقيق إنجازات، واستطاعت الضغط والتأثير على العديد من القرارات الحكومية بما يضمن حقوق المستهلكين. ‎*لكن، هل القانون والج