التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المر والرمان .... للمرة الأولى على الشاشة الفلسطينية /// كتب صلاح هنية

أن يجتمع المرّ والرمان معا، فهو، على ما يبدو، قد قلب المعادلة رأسا على عقب، فعدنا نطالب جغرافية اللسان بتذكر أي طعم امتلك ويمتلك رماننا، نحن الذين تعودنا على المقارنة بين المرّ والأمرّ منه، نجد أنفسنا أمام تحدّ لا يمثّله عنوان الفيلم، بل الفيلم ذاته، الذي أخرجته نجوى نجار ولامست فيه جغرافية العين والأذن والذاكرة وقضايانا الاجتماعية، وقادته إلى العرض في فلسطين، بعد أن التقط هناك وهناك، في روتردام ودبي، في الطريق إلينا هذه الجائزة وتلك.

ومنذ المشهد الأول ونحن نتلمظ طعم الرمان الحلو كما عشقناه وخوفا من أن يتسلل إليه عرق مر، ولو على مستوى قشرته الخارجية فقط: ينطلق العريس (زيد) إلى حيث عروسه المقدسية (قمر) في زفة يتحول فيها كل حاجز ثابت، أو طيّار إلى "أطرش في الزفة". وحتى لو تمّ توقيف الموكب بأكمله، فلن يمنع ذلك من استمرار المراسيم، إذ كتب علينا أن نعيش الفرح تحت كل الظروف، وأن الاكليل والزفة الفلسطينية ليست سوى رقصة الحياة، التي أتقنها هذا الشعب كقداس يعلن من خلالها قيامته، خاصة إذا كانت "قمرنا" مقدسية القدر والاقامة والقيامة.
وكأن هناك من لا يفرحه تمسكنا بحلاوة رماننا الخالصة، فا هو "زيد" لم يكد ينهي اسبوع العسل، حتى يتعرّض للاعتقال الإداري بعد أن وقف في وجه المحتل أثناء محاولة الأخير تسليم العائلة قرار مصادرة أرضهم، في موسم قطاف الزيتون، ذلك العيد الوطني غير المدرج على لائحة الأعياد الرسمية، والذي تحتفل فيه فلسطين منذ الخليقة. فرحتان لم تكتملا!!

ومن أين لك هم، الله ببعتلك، فكان على الكنة والحماة توحيد الصفوف والبحث عن محامية، وليس هناك سوى ليئا تسيمل، والأمر العسكري بمصاردة الأرض ومواعيد الزيارة وقوائم الصليب الأحمر، وتصريح الزيارة، ومشقة الوصول إلى السجن، وحالة العروسين العاطفية، التي ازدادت توهجا، إذ كادت الأسلاك الشائكة تسقط سكنا أمام قبلة يتبادلها العروسين، لو تهديد المحتل الذي حال دون وقوعها حتى لا تضطره إلى إضافتها إلى قوانين الطورائ، التي سبق وطبقت في عهد الانتداب.
وبناء على وصاية "زيد"، تقوم "قمر" بمتابعة تجّار الزيت لتسويق زيت الموسم، والعمل في الأرض في مواجهة المستوطنين. وحين تطلب منها الحماة "أم زيد" العودة إلى بيت أهلها في القدس، خوفا عليها، خاصة بعد قيام المستوطنين بمهاجمة منزلهم، لا تكاد تصل أطراف القرية بصحبة والديها، إلا وتقرر العودة إلى بيت زوجها، فكان لها ما أرادت، بالرغم من توسلات أمها.

وكما هو الحال على أرض الواقع، يظهر الشعب الفلسطيني في الفيلم ممارسا حياته الطبيعية، كما هو حال باقي شعوب الأرض، بالرغم من قمع المحتل وإرهاب مستوطنيه.
وقد عمدت "قمر"، بناء على رغبة عريسها "زيد" إلى متابعة نشاطها في فرقة الرقص الشعبي ، رغم أن العين باتت ترصد حركتها ولا يمكنها، خاصة مع كثرة نصائح حماتها وأمها، التصرف دون مراعاة للأعراف والقيود المجتمعية. فهي لم تعد "قمر"، بل زوجة "زيد".

إلا أن "قمر" أرادت أن تبقى قمرا تمارس حياتها الطبيعية الذاتية ملتقية خلال تلك الفترة ب"قيس"، ذلك القادم من أحد مخيمات اللاجئين في لبنان مشرفا على تدريب فرقة الرقص، التي هي عضو فيها، مخلفا وراءه فرقة رقص من الدرجة الأولى، كان قد أشرف عليها في المنفى. لا يعرف "قيس" شيئا عن فلسطين سوى تلك القصص والحكايات التي رواها له والده، فتجسّدت له فلسطين في ثياب "قمر"، التي قرأ فيها وفي الفرقة وفي مدينة الملاهي التي تضمّنها إحياء لذكرى والده، الذي أدار مثلها، كل تاريخ فلسطين وجغرافيتها.

وبعد مرور موسمي زيتون، وبعد تجديد اعتقاله الإداري أكثر من مرة، خرج "زيد" من السجن معاودا الإشراف على معصرة الزيتون، ومتابعا قضية مصادرة الأرض، ولم ينس أبدا أن يذهب لحضور عرض الرقص الشعبي في مدينة الملاهي التي يديرها "قيس"، حيث "قمر" والفرقة وحب وحياة وهناء واستمرارية.

وإذا كان لهذا الفيلم أن يتحدث عن هذه الأرض ورمانها وزيتونها، فهو لا ينسى أهلها وعذرائها ومسيحها، إذ أن النضال الوطني لا يمكن أن يؤرّخ له، دون التحدث عن معانقة الصليب والهلال، في لقاء عضويّ يكشف عن مجتمع لا يغفل عناصره ومركباته الأصيلة، وتجانس لا تغيب فيه الأقلية في ظل الأغلبية، بل تجتمعان لتشكلا هوية هذا الشعب، الذي يسعى، بالرغم من احتلال وتشريد ومرمرة ومر ورمان. كما يعكس الفيلم صورة لطبيعة هذا الشعب، الذي تجده، رغم البعد والغياب وتشظيه وتجزأه، لا يزال يحتفظ بنفس الرابط المشترك، وربما بسبب منه.

و"قيس" ليس حالة خارجة على المألوف، وإنما على قوانين النكبات والتشريد، حالة تشدّها الجذور إلى حيث الذكريات، إلى حيث "قمر"، إلى حيث فلسطين التي أطلقت كل أنوثتها في "قمر".

وقد عكس الدكتور رفيق الحسيني، أمين ديوان الرئاسة، رسالة الفيلم في كلمته، مؤكدا على تشجيع ودعم صناعة السينما الفلسطينية، طالما أن هناك أفلاما في مثل هذه الجودة والجرأة في التصدي ليس فقط للمحتل، وإنما لقضايا اجتماعية مهمة، على غرار وضع المرأة والعائلة والأسرى. إنها مقاومة من خلال الثقافة والأدب والفن تحكي حكاية شعب يتوق إلى الحياة الطبيعية. فمخرجة الفيلم نجوى نجار ومنتجه هاني قرط، وهما مقدسيان بامتياز، يستحقان كل التقدير والدعم في هذا العام، وفي القدس، عاصمة الثقافة العربية للعام 2009.

وفي لحظة وجدانية عميقة، طالبت مخرجة الفيلم من الجمهور أن لا يرفع من سقف توقعاته، خاصة وأن الفيلم مر بصعوبات جمة على مدى سنوات ستة إلى أن "وصلنا" هذه اللحظة.

في حين يسرد الفيلم، كما تقول رانيا الياس، مديرة مؤسسة يبوس، قصص الحب والاعتقال والقضايا الاجتماعية والنهايات المفتوحة، بعيدا عن الإعلام والفضائيات.

وحضر العرض حشد من المثقفين والإعلاميين وممثلي القطاع الخاص وجمهور السينما وممثلي الوزارات وهيئات السلطة الوطنية الفلسطينية.

وقد شارك في التمثيل: ياسين المصري، أشرف فرح، علي سليمان، هيام عباس، سامية بكري، يوسف ابو وردة، بطرس نويصر، وردة دوكوار، وليد عبد السلام، فلنتينا ابو عفصة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مهرجان التسوق": نابلس حققت قصب السبق ..... بقلـم: صلاح هنية

كان رتل الـمركبات شبه متواصل من حوارة إلى مدخل نابلس صباح السبت، ولـم تخف حركة السير على الشارع الرئيس من رام الله إلى نابلس... يوم السبت، باختصار هو أن أكبر سدر كنافة سيدخل موسوعة (غينيس) وسيتم إنجازه في نابلس على الدوار ضمن فعاليات مهرجان نابلس للتسوق. الـمبادرة بحد ذاتها تستحق الثناء؛ كونها جاءت في الـمكان الـمناسب؛ نابلس العاصمة الاقتصادية الـمحاصرة والـمعزولة منذ العام 0002، وهي أساس بالإمكان البناء عليه في الأعوام الـمقبلة. الاهم ان الـمشهد على مدخل نابلس الرئيس بداية شارع القدس بات مختلفاً، حيث ازدان، الاسبوع الـماضي، بلوحات اعلانية لـمنتجات غير فلسطينية إلى جانب اعلانات الترويج للـمهرجان، الدعوات توالت خصوصاً من "الراصد الاقتصادي" إلى محافظ نابلس بهذا الخصوص علـماً أن معظم الشركات الفلسطينية راعية للـمهرجان ولا تستحق الا الدعم والاسناد على فعلها الاقتصادي هذا، وهذه نقطة تسجل لنابلس، ومحافظها وفعالياتها. الاستجابة كانت سريعة فاستبدلت بإعلانات للـمنتجات الفلسطينية التي دعمت ودعت إلى مهرجان نابلس للتسوق، ومن الواضح ان موقف الـمحافظ هو الذي ادى لهذه النتيجة الطيبة، وترك آ

صلاح هنية: ‏إصرار على مكافحة الفساد الغذائي

رتفع كل فترة صرخات المستهلكين الفلسطينيين ضد الأغذية الفاسدة، والمنتجات المهربة من المستوطنات. ويؤكد رئيس جميعة حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية على محاربة هذه الظواهر، لافتاً الى وجود الكثير من المعوقات وهذا نص المقابلة: *هل من غطاء قانوني للمستهلك الفلسطيني؟ يتمتع المستهلك الفلسطيني بحقوق حمائية، إذ يتم تطبيق قانون حماية مستهلك عصري يحمل ‏الرقم 21 لعام 2005، ويغطي بشمولية قضايا المستهلك المحورية. وتتمثل هذه القضايا بضرورة إشهار الأسعار، ومحاربة الغبن ‏التجاري والغش والتلاعب بالأسعار والأغذية والسلع. وينظم القانون آلية حماية المواطنين، من خلال تأسيس جمعية ‏حماية المستهلك، والمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك، ويتيح للجمعيات رفع قضايا نيابة عن المستهلك دون أي ‏حاجة لتوكيل كونها جمعيات تمثيلية، ويركز على قضايا تنسيقية بين الجمعية والقطاع العام‎.‎ والجانب الثاني الإيجابي، ورغم حداثة عمر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، ورغم ضعف مواردها المالية إلا أنها ‏استطاعت تحقيق إنجازات، واستطاعت الضغط والتأثير على العديد من القرارات الحكومية بما يضمن حقوق المستهلكين. ‎*لكن، هل القانون والج