التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السلطة القضائية والاختناق القضائي.... بقلم:صلاح هنية



الاختناق القضائي .... الغذاء والدواء، وانتفاء العقوبات الرادعة؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه قانون الصحة العامة الأغذية الفاسدة والأدوية منتهية الصلاحية جنحة، يعتبرها قانون حماية المستهلك الفلسطيني جناية، وبالتالي نتطلع إلى تعديل القوانيين لاعتبارها جناية وليست جنحة.... نعتز بثقة المواطن في السلطة القضائية ولجوئه إلى القضاء .... التدريب المستمر للقضاة... برنامج تطوير كتبة المحاكم .....

بهذه المصطلحات والرؤى تحدث المستشار عيسى ابو شرار، رئيس مجلس القضاء الإعلى، مع زواره من الإعلاميين في مجمع المحاكم في محافظة جنين. والحكاية هنا ليست تقريرا صحفيا يهدف إلى نقل ما قيل لأن هذه المساحة ليست لهذا الغرض، وهي ليست بالضرورة استجابة لرغبة الزميل ماجد العاروري بالكتابة عن السلطة القضائية، وهي ليست بالضرورة استمرارا للمناكفة التي خضتها إلى جانب الزميل نبهان خريشة وحسام عز الدين باننا لا نكتب الا ما نراه مهما.

غصّت المحاكم في جنين بالمراجعين في ساعات الصباح وكان صوت مكبر الصوت يصدح مناديا على أسماء، منها الشاكي ومنها المشتكى عليه ومنها الشاهد، ومنها المشهود عليه. هذا الكم من المراجعين دفع الجميع للتساؤل عن هذا الاختناق المروري في جنبات المحكمة، وكأن الجواب كان ينتظر شرارة حتى يندلع: اليوم هو اليوم العالمي للنظر في مخالفات السير؟ ولكن في جنين حصرا! ولو كنت مكانهم، لأعدت دراسة التئوريا وطليت سيارتي بكل الشعارات التي تلف سيارات التدريب على السياقة واستخدمتها فقط في عطلة نهاية الأسبوع، حتى لا أستدعى، لا قدّر الله، إلى المحكمة حاملا مخالفتي بيدي، ولا طعن في ذلك، ولا حول ولا قوة؛ فانتظار ساعات في ساحة المحكمة، كفيل بأن يجعلني أردد: توبة، إن كنت أخالف تاني. وحتى لا نكتفي بقراءة المكتوب من عنوانه ومن باب العلم بالشيء سألنا واستفسرنا ونقبنا فوجدنا أن الأمر معيارا لثقة المواطن بالقضاء من خلال اللجوء إليه، كونه يرى فيه ملاذا لحمايته، حتى ولو كان مخالفا!

استوقفتني طويلا مسألة الاختناق القضائي، التي بتنا نرددها في التقرير والخبر الصحفي وكما يقال "ع الماشي"، ولكننا لم نكن نلمس تفاصيلها فأمست نتاج لحالة الفلتان الأمني الذي كان رائجا مثل السجائر ذائعة الصيت عالميا. والنتيجة تراجع الثقة بالقضاء وعدم توفر الظروف الموضوعية للبت في القضايا، الأمر الذي أدى إلى تراكمها وبالتالي بات لدينا اختناق قضائي. ولكن المشهد اليوم، وبعد خطوات كثيرة وكبيرة مشكورة لضبط الأمن، أدت ليس فقط إلى إستعادة المواطن ثقته التدريجية في دولة الحق والقانون، وإنما استعادة السلطة القضائية لعافيتها، بحيث باتت أقدر على النظر في القضايا، وبات القاضي يشعر بالأمان، بات القاضي يستطيع مقاومة التدخل في شؤون القضاء، بات هناك محضرون أكثر فاعلية مما مضى بحيث يتم ايصال التبليغ إلى العنوان الصحيح وبات البريد السريع عاملا مساعدا، وباتت كثرة أل سي سي إلى (نسخة إلى) تحلّ محلّ المزابط القديمة.

كثر الحديث عن السلطة القضائية وصيغت أوراق البحث والكتب والتقارير حول الموضوع. قرأت أعدادا منها وتوقفت أمام مفاصل مهمة ذات الصلة بالموضوع (لكن السمع مش زي الشوف)، وأنا لا أدعي أننا اليوم أمام سلطة قضائية (سوبر ديلوكس)، ولكننا أمام تغير مبشر بوضع أفضل بالتأكيد. إلا أن ما خرب بسبب الاحتلال وما خرب بسبب الفلتان الأمني وما خرب بسبب بوس اللحى ونظام العونة ونظام إذا حكمت بين اثنين ضعيفين، فاحكم بالحق ولا تبالي، لأن لا ضرر منهما، لن يكون سريع العلاج، بل ممكننا على المدى الطويل.

وكوني أختلف مع النظرية القائلة، أن البنى التحتية، سواء بنى السلطة القضائية أو الجامعات أو التعليم العام وغيرها، معيار تقدم جوهري لنهضة وتقدم هذه القطاعات، هذا إذا ما اعتبرنا أن البنايات الجيدة لمجمعات المحاكم في جنين ونابلس عامل محفز ، إلا أن مربط الفرس يتعلق بإرادة ورؤى واستراتيجيات، فالأساس ما لمسته صدقا من حديث رؤساء محكمتي البداية في جنين ونابلس الذين عبروا عن ارتياح وإرادة عمل مؤسستية. كان الصوت عاليا بوتيرة واضحة، خلافا تماما لم كان يرد في التقارير والابحاث التي عالجت موضوع السلطة القضائية ابان عهد (ينذكر ولا ينعاد) الفلتان الأمني وعناوينه الضغط والتأثير والوعد والوعيد.

صدقا لم تبهرني المبانى ولم أشأ أن تلتقط لي صورة أمام مدخلها، لا في جنين، ولا في نابلس، ولكنني ركزت على المحتوى والأداء، رغم الأشارة الضمنية إلى تطور البنية التحتية هنا وهناك كرمال عيون المانح في هذا المجال. إلا أن العناوين التي استمعنا إليها تقع في صميم عمل السلطة القضائية ، وهذا ليس من باب التقليل من أهمية المكان، فقد زيّنت أبواب عدد من المكاتب أسماء القضاة وبخطوط جميلة. . والمرآة حاضرة في السلطة القضائية، وبقوة، وهذا ليس حتما بتأثير النوع الاجتماعي وبرامجه والكوتا، ولكنه نتاج كفاءة وأهلية لإشغال منصب قاض.

وبقيت قضايا الغذاء والدواء الفاسد والمنتهي الصلاحية هاجس يقض مضجعي رغم تكرار الحديث عنه في اللقاءات الاقتصادية. ولكنني الآن في عرين السلطة القضائية، حيث ننتظر جوابا يقيم الحجة ويقدّم البراهين ويقول ما يقوله، في أن قانون الصحة العامة يعتبرها جنحة، والحق، الذي يتمّ السعى لتشريعه، أهنا جناية. وحول السؤال المتعلق بخروج المتهم في هذه القضايا من السجن بعد فترة قصيرة، كان الجواب أن القضاء مستقل، طالما اعتبرت هذه جنحة، ويترك الأمر لتقدير القاضي ولا يقبل التأثير أو الضغط عليه. في وجود قوانين تتعاطى مع الموضوع كجنحة، تكون وضع الكرة معلقا بصفارة الحكم في ملعب السلطة التشريعية، حتى لا نقع المرة تلو الأخرى في مصيدة التسلل.

وبالمجمل، حقق القضاء نقلة ( لن أحدد نوعها ولا حجمها ولا قياسها ) منذ عام ونصف مضت ولغاية هذه اللحظة. المطلوب أكثر، الموارد البشرية متوفرة لتطوير النقلة، المطلوب أسعاف السلطة القضائية برزمة قوانين من السلطة التشريعية أو عبر مراسيم رئاسية طالما ظل المجلس التشريعي معطلا خصوصا في قضايا الغذاء والدواء ومكافحة المحدرات، وفي قضايا غسيل الأموال.

إعلاميا، أكاد أجزم أننا بحاجة ماسة إلى حقيبة ( إعلامي متخصص في الشؤون القضائية)، بحيث لا تكون المهمة طاسة وضايعة ضمن سلة مهام متنوعة، كما لو كان كله عند العرب صابون، بل الإعلام من أجل ان نعيد للقضاء هيبته. فكما هي شؤون القطاع الخاص والبورصة ذات أهمية قصوى ضمن شارة ما فوق البرتقالي، فإن عكس صورة الواقع في السلطة القضائية ضمن زاوية متخصصة أمر بالغ الأهمية، تماما كما كنا نقول عن السلطة القضائية في عهد الفلتان الأمني البائد يجب أن نقول شئ أخر اليوم بعد عام ونصف من انقضاء عمر الفلتان الأمني.

تبادلنا أطراف الحديث اثناء تحركنا في الحافلة التي أقلتنا في الجولة القضائية في طريق عودتنا إلى روتين العمل والحياة .... وجميع الملاحظات كانت حول قضايا قانونية ... المخالفات في البناء وقاعدة من حجم المخالفة في البناء أعرف ثقل قاعدتك الارتكازية .... محاولة البحث عن تفسير في القانون يساهم في ايجاد طريق التفافي للالتفاف عليه وهو تتضخم عدد الفتاوي والفاتون والفاتنون.. هنا كثر .... تجاوز الصلاحيات المنصوص عليها في القانون واصدار قرارات وتعليمات وتعميمات ليست من صميم الاختصاص ..... قلنا ما هو الأهم معالجة الاختناق القانوني أم معالجة احتراف الاختراقات للقانون المتكررة!!!!!! أمران كلاهما مرّ. وتظل السلطة القضائية تبذل جهدا بحاجة إلى مضاعفته على المستوى النوعي وعلى المستوى الكمي بخصص عدد القضاة والمبلغين وكاتبي العدل.

وإلى لقاء في جولة قادمة في فضاء أخر من فضاءات الوطن ........إذ بعد هذه الجولة لن أردد: إذا القاضي خصمك لمين تشكي، بل تقدّم بشكواك، فالقاضي خصمك من أجل الحق، الذي ربما وقفت أنت أيضا إلى جانبه، أو كان هو قد وقف إلى جانبك! فالقانون يبقى الوتد في هرم هذا الوطن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مهرجان التسوق": نابلس حققت قصب السبق ..... بقلـم: صلاح هنية

كان رتل الـمركبات شبه متواصل من حوارة إلى مدخل نابلس صباح السبت، ولـم تخف حركة السير على الشارع الرئيس من رام الله إلى نابلس... يوم السبت، باختصار هو أن أكبر سدر كنافة سيدخل موسوعة (غينيس) وسيتم إنجازه في نابلس على الدوار ضمن فعاليات مهرجان نابلس للتسوق. الـمبادرة بحد ذاتها تستحق الثناء؛ كونها جاءت في الـمكان الـمناسب؛ نابلس العاصمة الاقتصادية الـمحاصرة والـمعزولة منذ العام 0002، وهي أساس بالإمكان البناء عليه في الأعوام الـمقبلة. الاهم ان الـمشهد على مدخل نابلس الرئيس بداية شارع القدس بات مختلفاً، حيث ازدان، الاسبوع الـماضي، بلوحات اعلانية لـمنتجات غير فلسطينية إلى جانب اعلانات الترويج للـمهرجان، الدعوات توالت خصوصاً من "الراصد الاقتصادي" إلى محافظ نابلس بهذا الخصوص علـماً أن معظم الشركات الفلسطينية راعية للـمهرجان ولا تستحق الا الدعم والاسناد على فعلها الاقتصادي هذا، وهذه نقطة تسجل لنابلس، ومحافظها وفعالياتها. الاستجابة كانت سريعة فاستبدلت بإعلانات للـمنتجات الفلسطينية التي دعمت ودعت إلى مهرجان نابلس للتسوق، ومن الواضح ان موقف الـمحافظ هو الذي ادى لهذه النتيجة الطيبة، وترك آ

صلاح هنية: ‏إصرار على مكافحة الفساد الغذائي

رتفع كل فترة صرخات المستهلكين الفلسطينيين ضد الأغذية الفاسدة، والمنتجات المهربة من المستوطنات. ويؤكد رئيس جميعة حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية على محاربة هذه الظواهر، لافتاً الى وجود الكثير من المعوقات وهذا نص المقابلة: *هل من غطاء قانوني للمستهلك الفلسطيني؟ يتمتع المستهلك الفلسطيني بحقوق حمائية، إذ يتم تطبيق قانون حماية مستهلك عصري يحمل ‏الرقم 21 لعام 2005، ويغطي بشمولية قضايا المستهلك المحورية. وتتمثل هذه القضايا بضرورة إشهار الأسعار، ومحاربة الغبن ‏التجاري والغش والتلاعب بالأسعار والأغذية والسلع. وينظم القانون آلية حماية المواطنين، من خلال تأسيس جمعية ‏حماية المستهلك، والمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك، ويتيح للجمعيات رفع قضايا نيابة عن المستهلك دون أي ‏حاجة لتوكيل كونها جمعيات تمثيلية، ويركز على قضايا تنسيقية بين الجمعية والقطاع العام‎.‎ والجانب الثاني الإيجابي، ورغم حداثة عمر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، ورغم ضعف مواردها المالية إلا أنها ‏استطاعت تحقيق إنجازات، واستطاعت الضغط والتأثير على العديد من القرارات الحكومية بما يضمن حقوق المستهلكين. ‎*لكن، هل القانون والج