من الطبيعي والمنطقي لحظة تسلم الحكومة لخطة كيري الاقتصادية أن تكون الحظوة والمكانة المهمة لرأس المال الفلسطيني تعزيزا لمنطق قوى السوق التي تمتلك الامكانيات (بغض النظر عن حجمها مقارنة برأس المال في دول أخرى) للتجاوب مع حزم هذه الخطة الاقتصادية، وقد تتطلب شراكات مع رأس مال وافد، وستصبح الحكومة أكثر قربا وانسجاما وتفاهما مع رأس المال.
ويصبح من الطبيعي في ظل هذه المعطيات أن تصبح الحركة العمالية وأطرها النقابية حرفا زائدا لا حاجة له تحت يافطة جميلة عنوانها إعادة توحيد الحركة العمالية الفلسطينية وإعادة ترتيب بيتها الداخلي، ويترافق مع هذا كله بدء الحديث عن دور غير مطلوب للمستهلك الفلسطيني وجمعية حماية المستهلك الفلسطيني لأنها ستكون خارج السياق بالتأكيد، وتظل الفرصة سانحة امام هذين الطرفين اذا وافقا ووقعا على خصخصة القطاعات الاقتصادية كافة ليست خصخصة من النمط القائم بل خصخصة توزيع الكهرباء وخصخصة توليد الكهرباء وخصخصة قطاع المياه وخدمات الصرف الصحي والموافقة على عدادات الدفع المسبق في المياه والقبول بخصخصة قطاع النقل بصورة تختلف جذريا عما هو قائم اليوم.
في العام 1979 كنت اتمم معاملاتي المالية والتسجيل في جامعة بيرزيت في سنتي الدراسية الاولى واثناء اتمامي لتلك المعاملات كنت اشاهد على جدران الجامعة في حرمها القديم عبارات ( قل نعم للدستور) ( قل لا للدستور)، سألت ما الذي يجري قالوا لي لا تشغل بالك هذا ليس لك هذا استفتاء على دستور مجلس طلبة جامعة بيرزيت الجديد والذي ستجري على اساسه انتخابات المجلس العام القادم، منذ تلك اللحظة حفظت عن ظهر قلب (مجلس الطلبة)، بعد شهرين بعد التحاقي في الجامعة اعلن عن مخيمات للعمل التطوعي في عدد من القرى لمساعدة المزارعين في قطف الزيتون لمدة ثلاثة ايام تعطل خلالها الجامعة عطلة الزيتون، ذهبنا للعمل دون أن نربط ذلك بشرط التخرج اتمام 120 ساعة عمل تطوعي، وبعد فترة زمنية أعلن عن مخيم عمل تطوعي في الأغوار لمساعدة المزارعين في قطف الخضروات.
ومضت الايام وإذ بترتيبات تتحدث عن ( اسبوع فلسطين) وترتيبات (سوق عكاظ للاداب) وكل هذا مقرونا بمجلس الطلبة بروح مشتركة مع إدارة الجامعة من مكتب رئيس الجامعة وعمادة شؤون الطلبة، مرورا بأساتذة وموظفين وعمال جامعة يشعرون أن الطلبة جزء منهم لأنهم يعيشون معهم أكثر من اسرهم.
زميلتي "أم خالد" قالت لي: إن ابنتها الجامعية في بيرزيت غاضبة منها لأنها لم تجد اثرا لما قالته لها عن جامعة بيرزيت. زميلي "الاستاذ الجامعي" حدثني عن جودة التعليم واخطاء الاملاء وفقر المعلومات في التاريخ والجغرافيا الفلسطينية. زميلي "الباحث الاقتصادي" يقول: إن الازمة السياسية الاقتصادية المالية في فلسطين لا خيار أمامها الا توّحيد الجهود لتكون أكثر عدلا وانصافا للفقراء والمهمشين فهم لا يريدون الحركة الطلابية أن تكون رأس حربة في هذا الملف.
معطيات هذه الايام الحاضرة والتي نعيشها تؤكد دون أدنى شك أن الجامعات لم تعد في اجندة أي مكون من مكونات المجتمع الفلسطيني، ولو كان هناك ادنى اهتمام بدور ومكانة وتراث الحركة الطلابية الفلسطينية لاختلف الأمر جذريا في التعاطي مع أزمة جامعة بيرزيت تحديدا ولما تركت في مهب الريح، كان بالامكان أفضل مما كان في جامعة بيرزيت "بعيدا عن استعراضات البعض غير المبررة " سواء على صعيد إدارة الحوار مع مجلس الطلبة في الايام التي فتحت فيها ابواب الجامعة بحيث لا تعطي الادارة ايحاء للطلبة اننا لسنا على عجل وانتم الذين على نار، وكأن الجامعة تحتمل حرب الاعصاب ولعبة من يتعب اولا.
كان بالامكان افضل مما كان لأنني شخصيا اعرف ممثلي إدارة الجامعة على طاولة الحوار وأعرف انهم قادرون على اجتراح حل بسيط وواضح "وقف تثبيت سعر صرف الدينار على الشيكل"، ولكن لم يقع الأفضل ولم يتركوا الطلبة قليلا أمام اسلوب إدارة الحوار .
باختصار وفي سياق خطة كيري الاقتصادية وفي سياق الحديث عن تسهيلات احتلالية من خلال اعلانات هنا وهناك لن اخوض في تفاصيلها فإن القادم هو الغاء مجالس الطلبة في الجامعات وتحجيم دور الحركة الطلابية الفلسطينية بموافقة رسمية حتى ولو كانت مبطنة، تلك الحركة الطلابية التي كان مطلوبا منها نصرة وتثبيت شرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في مراحل النضال الوطني كافة، تلك الحركة التي حافظت على جامعات فلسطين قائمة وقوية، تلك الحركة التي قدمت الشهداء دفاعا عن القرار الفلسطيني المستقل، تلك الحركة الطلابية التي حافظت على الهوية الفلسطينية والتراث الفلسطيني والعمل التطوعي، تلك الحركة الطلابية التي هبت لنصرة الاسرى، اليوم لا مكان لها على الخارطة لأن الحكومة لن تقدم دعما للتعليم العالي ، بالتالي ستذهب الجامعات بعيدا في رفع الاقساط الجامعية ومن الطبيعي أن لا يكون هناك مجالس طلبة تتحدث عن الاقساط وعن الفقراء. الحكومة منذ اليوم اولوياتها الشركات القابضة والعابرة للقارات لتنجز الحزمة الاقتصادية في خطة كيري الاقتصادية. ويبدو أن حركة فتح والقوى الوطنية سعيدة بهذا الأمر بصورة أو بأخرى.
طوبى لكم في ظل احصائيات تقول أن هناك 212 عاطلا عن العمل يوميا في فلسطين، وأن 1.6 مليون فلسطيني غير امنين غذائيا.
تعليقات