حماية المؤسسة وصون حقوق الموظفين .. ليسا نقيضين
بقلم: صلاح هنية*
يتصاعد النقاش بصوت مرتفع حول آثار الوضع المعيشي والمالي، في أوساط الرأي العام الفلسطيني بمستويات مختلفة، بما يشمل الخبراء والإعلاميين ومراكز الأبحاث والدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، ويكاد لا يخلو هذا النقاش من معادلة الحفاظ على المؤسسة الفلسطينية الرسمية دون المساس بحقوق الموظفين العموميين.
فاتحة النقاش كانت حديث القلب للقلب من قبل الدكتور سلام فياض، رئيس وزراء دولة فلسطين، في لقائه مع الإعلاميين والكتّاب الصحافيين، حيث أعلن خطةً حكوميةً لتقليص الدوام دون المساس بالخدمات الأساسية للمواطنين في ضوء عدم تمكّن الموظفين من الوصول إلى أماكن العمل طارحاً سيناريوهات وبدائل مختلفة، لكن الأمر لم يتحوّل إلى سياسة معتمدة في الوزارات ومؤسسات دولة فلسطين بشكل شمولي، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الموظفين العموميين لاتخاذ المبادرة بالإعلان عن عدم التمكّن من الوصول إلى أماكن العمل وليس الإضراب أساساً.
وما تلا هذا المشهد استمرار النقاش الإعلامي والتخصصي حول الموضوع توّج بدراسة ناقشها معهد (ماس) حول الاستدامة المالية لدولة فلسطين، ومجموعة رؤى بهذا الاتجاه، ورؤى أخرى حول تخفيض فاتورة التجارة مع إسرائيل لصالح تعظيمها من المنتجات الفلسطينية؛ لتقليل قيمة الضرائب التي تُجبى لصالح دولة فلسطين ويتم حبسها وتحويلها لتسديد فاتورة الكهرباء.
مؤخراً، وفي ضوء تزايد الأيام التي لم يعد بإمكان الموظفين الوصول فيها إلى وزاراتهم والمؤسسات الرسمية بات النقاش أكثر تركيزاً باتجاه خلية الأزمة والقرار الإستراتيجي وعودة باتجاه ما أطلقه الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء في الأيام الأولى لتفاقم الأزمة المالية لدولة فلسطين من مقترحات لتقليص الدوام دون المس بالخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين.
باختصار نحن تماماً كمن يسير على حافة شفرة أينما تقلّبت فستنالك حدتها ويجب أن تمتلك مهارات فائقة وذكاءً خارقاً لتتمكن من إتمام السير على حافة الشفرة المفروضة علينا من خلال غياب شبكة الأمان العربية وضعف إمكانيات الاستدامة المالية لدولة فلسطين جراء التهرّب الضريبي وتراجع التمويل الخارجي، ويبقى الاحتلال الإسرائيلي جوهر الأزمة المالية وتراجع الوضع المعيشي جراء سياسة التحكم وإطباق السيطرة على دولة فلسطين، وأن الخلاص من الاحتلال مقدمة للتخلّص من جميع هذه الأزمات.
مسار النقاش في خضم الأزمة يجب أن يكون مختلفاً تماماً عن النقاش لحظة توقع وقوع الأزمة (في الوساع)، في خضم الأزمة تقل البدائل وتبدأ بالتلاشي خصوصاً أننا لسنا جاهزين للتجديف في خضم الأزمة المالية والوضع المعيشي المتردي.
في خضم الأزمة يجب أن نكون أكثر جرأةً في اتجاهات عدة أبرزها:
- لم تصفر موارد دولة فلسطين المالية، فلدينا 50 مليون دولار شهرياً قيمة الجباية الشهرية من مواردنا، و125 مليون عوائد الضرائب التي تعتبر غالباً على كف عفريت، وبعض المساعدات العربية مثل المنحة الجزائرية بالإمكان صرف لو 15% من قيمة راتب الموظف لكي يستمر في التمكن من الوصول إلى مكان عمله.
- ترشيد النفقات الحكومية في خضم الأزمة التي نحن بصدد التعاطي مع مكوناتها وعدم خفضها كونها المحرك الأساسي للسوق إذا علمنا أن المؤسسة الحكومية هي المشتري الأكبر في السوق، ويجب أن يلمس هذا الترشيد في أوساط الرأي العام ليس تمويهاً بل واقعاً معاشاً.
- يجب أن يكون الملف الإداري وشؤون ضبط الدوام أكثر حكمةً في التعاطي مع توجهات رئيس الوزراء في تقليص الدوام دون المس بديمومة المؤسسة الرسمية ولا خدماتها.
- في خضم الأزمة يجب أن تكون البنوك والنظام المصرفي جزءاً لا يتجزأ من الحل وليس جزءاً من المشكلة على الأقل في وعي وإدراك الرأي العام الفلسطيني.
- يجب التعاطي مع توجهات تعظيم العوائد من الإنفاق على شراء المنتجات الفلسطينية على حساب تقليل فاتورة التجارة من إسرائيل لنزيد قيمة مواردنا المالية الشهرية.
- يجب في خضم الأزمة إعادة النظر في الهوية الاقتصادية لدولة فلسطين (اقتصاد السوق) والتوجه صوب هوية اقتصادية تعزز الصمود والاعتماد على الذات، وعدم القفز في الهواء باتجاه منظمة التجارة العالمية واشتراطاتها في خضم هذه الأزمة.
• رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني
salah@pcp.ps
تاريخ نشر المقال 08 كانون الثاني 2013
بقلم: صلاح هنية*
يتصاعد النقاش بصوت مرتفع حول آثار الوضع المعيشي والمالي، في أوساط الرأي العام الفلسطيني بمستويات مختلفة، بما يشمل الخبراء والإعلاميين ومراكز الأبحاث والدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، ويكاد لا يخلو هذا النقاش من معادلة الحفاظ على المؤسسة الفلسطينية الرسمية دون المساس بحقوق الموظفين العموميين.
فاتحة النقاش كانت حديث القلب للقلب من قبل الدكتور سلام فياض، رئيس وزراء دولة فلسطين، في لقائه مع الإعلاميين والكتّاب الصحافيين، حيث أعلن خطةً حكوميةً لتقليص الدوام دون المساس بالخدمات الأساسية للمواطنين في ضوء عدم تمكّن الموظفين من الوصول إلى أماكن العمل طارحاً سيناريوهات وبدائل مختلفة، لكن الأمر لم يتحوّل إلى سياسة معتمدة في الوزارات ومؤسسات دولة فلسطين بشكل شمولي، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الموظفين العموميين لاتخاذ المبادرة بالإعلان عن عدم التمكّن من الوصول إلى أماكن العمل وليس الإضراب أساساً.
وما تلا هذا المشهد استمرار النقاش الإعلامي والتخصصي حول الموضوع توّج بدراسة ناقشها معهد (ماس) حول الاستدامة المالية لدولة فلسطين، ومجموعة رؤى بهذا الاتجاه، ورؤى أخرى حول تخفيض فاتورة التجارة مع إسرائيل لصالح تعظيمها من المنتجات الفلسطينية؛ لتقليل قيمة الضرائب التي تُجبى لصالح دولة فلسطين ويتم حبسها وتحويلها لتسديد فاتورة الكهرباء.
مؤخراً، وفي ضوء تزايد الأيام التي لم يعد بإمكان الموظفين الوصول فيها إلى وزاراتهم والمؤسسات الرسمية بات النقاش أكثر تركيزاً باتجاه خلية الأزمة والقرار الإستراتيجي وعودة باتجاه ما أطلقه الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء في الأيام الأولى لتفاقم الأزمة المالية لدولة فلسطين من مقترحات لتقليص الدوام دون المس بالخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين.
باختصار نحن تماماً كمن يسير على حافة شفرة أينما تقلّبت فستنالك حدتها ويجب أن تمتلك مهارات فائقة وذكاءً خارقاً لتتمكن من إتمام السير على حافة الشفرة المفروضة علينا من خلال غياب شبكة الأمان العربية وضعف إمكانيات الاستدامة المالية لدولة فلسطين جراء التهرّب الضريبي وتراجع التمويل الخارجي، ويبقى الاحتلال الإسرائيلي جوهر الأزمة المالية وتراجع الوضع المعيشي جراء سياسة التحكم وإطباق السيطرة على دولة فلسطين، وأن الخلاص من الاحتلال مقدمة للتخلّص من جميع هذه الأزمات.
مسار النقاش في خضم الأزمة يجب أن يكون مختلفاً تماماً عن النقاش لحظة توقع وقوع الأزمة (في الوساع)، في خضم الأزمة تقل البدائل وتبدأ بالتلاشي خصوصاً أننا لسنا جاهزين للتجديف في خضم الأزمة المالية والوضع المعيشي المتردي.
في خضم الأزمة يجب أن نكون أكثر جرأةً في اتجاهات عدة أبرزها:
- لم تصفر موارد دولة فلسطين المالية، فلدينا 50 مليون دولار شهرياً قيمة الجباية الشهرية من مواردنا، و125 مليون عوائد الضرائب التي تعتبر غالباً على كف عفريت، وبعض المساعدات العربية مثل المنحة الجزائرية بالإمكان صرف لو 15% من قيمة راتب الموظف لكي يستمر في التمكن من الوصول إلى مكان عمله.
- ترشيد النفقات الحكومية في خضم الأزمة التي نحن بصدد التعاطي مع مكوناتها وعدم خفضها كونها المحرك الأساسي للسوق إذا علمنا أن المؤسسة الحكومية هي المشتري الأكبر في السوق، ويجب أن يلمس هذا الترشيد في أوساط الرأي العام ليس تمويهاً بل واقعاً معاشاً.
- يجب أن يكون الملف الإداري وشؤون ضبط الدوام أكثر حكمةً في التعاطي مع توجهات رئيس الوزراء في تقليص الدوام دون المس بديمومة المؤسسة الرسمية ولا خدماتها.
- في خضم الأزمة يجب أن تكون البنوك والنظام المصرفي جزءاً لا يتجزأ من الحل وليس جزءاً من المشكلة على الأقل في وعي وإدراك الرأي العام الفلسطيني.
- يجب التعاطي مع توجهات تعظيم العوائد من الإنفاق على شراء المنتجات الفلسطينية على حساب تقليل فاتورة التجارة من إسرائيل لنزيد قيمة مواردنا المالية الشهرية.
- يجب في خضم الأزمة إعادة النظر في الهوية الاقتصادية لدولة فلسطين (اقتصاد السوق) والتوجه صوب هوية اقتصادية تعزز الصمود والاعتماد على الذات، وعدم القفز في الهواء باتجاه منظمة التجارة العالمية واشتراطاتها في خضم هذه الأزمة.
• رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني
salah@pcp.ps
تاريخ نشر المقال 08 كانون الثاني 2013
تعليقات