من الواضح التدني في مستوى الأداء السياسي الفلسطيني، وتتفاقم هذه الحالة يوماً بعد يوم، ما يدفعنا للدخول في مأزق تلو مأزق لهذا السبب أساساً، وعملياً ينعكس هذا التدني على مكونات النظام السياسي الفلسطيني، ويصل إلى مكونات المجتمع المدني، والحال ذاته يسود في الحزب السياسي الفلسطيني.
ومن مظاهر هذا التدني في الأداء السياسي الفلسطيني:
- تراجع دور وحضور الحزب السياسي الفلسطيني الذي بات في غالبيته لافتة على مدخل عمارة وعلماً في مسيرة احتجاجية، وهذا أثّر عملياً في مجمل أداء النظام السياسي الفلسطيني، وعلى حضور ودور منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل وحدة الشعب الفلسطيني.
حتى أن مظاهر الانتظام في حياة حزبية ذات أصول سياسية واضحة، على اعتبار انها مجموعة متجانسة فكرياً وسياسياً، ويجمعها برنامج سياسي وفكري واجتماعي موحد، وتقوم على أساس قبول الآخر والتعددية والمشاركة السياسية وتداول السلطة، بات أيضاً ضعيفاً، ما انعكس على الخطاب الفلسطيني وعلى مفهوم المشروع الوطني.
- لم يعد واضحاً ما هو المقصود عند الحديث عن الشراكة السياسية، أو عند الحديث عن الوحدة الوطنية، أو عند الحديث عن المشروع الوطني الفلسطيني.
أين هو الأداء السياسي الذي يستطيع أن يفعل وينظم هذه المفاهيم ويرسخها ضمن مفهوم محدد وواضح يشكل نقطة إجماع.
- غاب الحزب السياسي الفلسطيني لصالح مؤسسات المجتمع المدني، حتى ان أحزاباً وقوى أضعفت ذاتها بيدها لصالح تقوية مؤسسات أهلية تظل تحت مظلتها، وبين ليلة وضحاها باتت هذه المؤسسات امبراطوريات لأشخاص بعينهم أداروا ظهورهم بدرجات متفاوتة للحزب السياسي.
واليوم، نرى تراجعاً في دور مؤسسات المجتمع المدني، مردّه انسداد جزئي لقنوات التمويل، وتراجع اهتمام المانحين بأهمية الدور الذي قد تلعبه هذه المؤسسات في المجتمع المدني، خصوصاً على صعيد المرأة والبيئة.
- ومن المظاهر الأخرى، انسداد قنوات التأثير على النظام السياسي الفلسطيني، ولم يعد بالإمكان إيجاد نجاحات، ولو نسبية.
رؤية أخرى
عندما يحدث تدنٍّ في أي مجال، فإن الأمر برمته يحتاج الى إعادة دراسة وتقييم والخروج باستخلاصات واستنتاجات واتخاذ خطوات عملية واضحة.
المزعج أننا نريد أن نقفز في (فراغ سياسي)، تارة نصعد وتارة نصنع هدوءاً، وتارة نهتف وتارة نهمس، ولكن القفز في الفراغ لن يحقق شيئاً.
المطلوب الآن، إعادة الاعتبار للحياة السياسية الفلسطينية بكافة مكوناتها، وإعادة تحديد مضمون المفاهيم الأساسية، وعلى رأسها المشروع الوطني.
ويعود على سطح الحياة السياسية الفلسطينية بشكل ساخن، من جديد، موضوع حل السلطة الوطنية الفلسطينية، ولعل نقاش هذا الموضوع حسب وجهة نظري، يقع ضمن سياق القفز في الفراغ السياسي، فقد تحدثنا سابقاً عن هذا الموضوع وكانت المعطيات مختلفة، لكن التطورات على الساحة الفلسطينية والعربية والإقليمية تعتبر عوامل مؤثرة اليوم على هذا الموضوع بمجمله.
هل سيشكل حل السلطة عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية، وكيف سيكون في ظل الموت السريري للعملية السياسية والمفاوضات، وهل تهتم إسرائيل بمثل هذا الأمر؟
هل سيشكل حل السلطة عاملاً إيجابياً أو إشارة إيجابية تجاه المجتمع الدولي؟
أكاد أجزم أن الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الدولي معنيان عملياً بسلطة وطنية فلسطينية في ذات وضعها الحالي، فالجميع لا يريد منها أكثر من تقدير ضعيف أو دون المستوى واستمرارها.
أجزم أن المواطن الفلسطيني بات اليوم يقارن بقوة بين أداء الدولة اللبنانية في ظرف راهن عصيب، وبين أداء السلطة الوطنية الفلسطينية ضمن ظرف راهن عصيب، ولا تحتاج المقارنة إلى عبقرية خارقة، فالأمر بسيط:
- برنامج حكومي قدم في مؤتمر روما من سبع نقاط شكّل إجماعاً لبنانياً من ضمنه حزب الله.
- تصدٍّ حكومي متواصل للمسؤوليات والواجبات، بحيث يستمر العمل الرسمي في أكثر الظروف تعقيداً.
- هجوم دبلوماسي وإعلامي لبناني تجاه العالم لإيصال رسالة ذات مضمون وإجماع لبناني واضح.
ولم يفكر لبناني واحد بحل الدولة اللبنانية..
في ذات الوقت، لا يبدو أن رسالة فلسطينية واضحة المعالم قد وصلت الى العالم أجمع، رغم انها تشكلت في الوعي والوجدان الشعبي الفلسطيني، مفادها أن جوهر الصراع وجوهر السلم والحرب هو القضية الفلسطينية ولا استقرار إلاّ بحل عادل وشامل، رغم الاعتراف بأن العالم لا يريد ربطاً بالمطلق بين ما يجري في لبنان وبين خطر نشوب حرب إقليمية وبين القضية الفلسطينية، إلاّ ان هجوماً فلسطينياً بهذا الاتجاه قد يحقق نجاحات ملموسة.
ولا يكفي أن يكون هذا الأمر في الوعي والوجدان الشعبي، بل يجب أن ينعكس هذا في كل الفعاليات الشعبية بدلاً من التركيز على تعدد الرايات، والهتافات التي لا تعكس برنامجاً ولا توجهاً عاماً، ما يستدعي جعل الفعاليات وشعاراتها رسالة واضحة توجه للعالم أجمع، وليس مجرد ملء فراغ في الأجندة أو جهد ضائع دون نتيجة.
ويجب أن يظهر هذا الربط في الكتابة السياسية وفي التعليق السياسي..
تعليقات