حتماً سيكون الـمشهد في غزة في اليوم الذي سيلي الانفصال عن غزة مختلفا تماما، ستخرج الجموع إلى الشوارع للاحتفال، ولكل سببه ومبرره بالاحتفال، لكن الاحتفال وارد لا محالة، ومن الواضح أن تلك اللحظة أو اليوم التالي هو اليوم الذي ستسلط عليه الأضواء من قبل الإعلام العالـمي، وستبحث الأضواء عما هو غير عادي من منطلق السبق الصحافي، وستحمل الأمور ما لا تحتمل.
القضية باختصار شديد تتعلق بما نريده نحن أساسا؟ وكيف سيكون عليه الحال في اليوم التالي؟
من الطبيعي أن يبالغ الإعلام الإسرائيلي والعالـمي الأجنبي في آثار الحدث وتداعياته بصورة تبدو سلبية، وستبني عليه استنتاجات، فالخطاب الإعلامي الإسرائيلي عموما ذو توجه محوره (أن الخروج من غزة لـم يكن تحت إطلاق النار ويجب ألا يكون) وأن (الخطوة القادمة لن تكون في الضفة الغربية والقدس) وأن (لا تفاوض على التجمعات الاستيطانية ولا القدس ولا اللاجئين).
على صعيد الفضائيات العربية ولكون الساحة الفلسطينية مفتوحة إعلاميا لتتم محاورة من تشاء الفضائيات أن تحاوره، ويتحكم رئيس تحرير النشرة الإخبارية بما يتم نشره وما يتم رفضه، فهو ذاته الذي يسمح بنشر تقرير اخباري عن قضية عامة وتظهر جانبا واحدا من الصورة بهدف يعبر عن مكنونات توجه الفضائية وسياستها، وفي الوقت ذاته تستضيف متحدثا عبر الهواء مباشرة ليعقب على التقرير بصورة تضعه في وضع محرج بعد أن يكون الـمشاهدون قد عبئوا عبر التقرير ويستخفون بكلام الـمستضاف للحديث. أما الإعلام الأجنبي الـمكتوب فحدّث ولا حرج.
فلسطينياً، يتم التعامل إعلاميا مع اليوم التالي بمزيد من الحذر، على مستوى شاشتنا الصغيرة التي حدثت وطورت حديثا، يتم التعاطي مع الأمر بمزيد من الحذر سواء على صعيد الـمبالغة في قضية الألغام التي قد تكون قد زرعت في الـمستوطنات، والتركيز على (علـم واحد وطن واحد)، وتصريحات ولقاءات حول الـموضوع. أما الإعلام الـمكتوب فهو يتعاطى بذات الحذر سواء على مستوى كتاب الأعمدة والـمقالات أو من خلال العناوين الحذرة، ولا يتم التعرض لقضايا تتعلق بأولويات الرأي العام الفلسطيني في غزة.
عمليا الصوت الـمسيطر على الساحة اليوم والأكثر استماعا لاتساع رقعة بثه هو الصوت الذي يبالغ في تفصيل معالـم مصيبة قادمة على الصعيد الفلسطيني الداخلي بإراقة الدم الفلسطيني من جهة، والتفنن في تصوير العمال الفلسطينيين وكأنهم يبكون بحرقة على الـمستوطنات التي ستذهب عن أرض غزة كونها مصدر رزقهم في العمل، وهذا أمر غير دقيق لأن عمالنا أرفع من ذلك بكثير، ويجب التروي بالحكم عليهم وعلى موقفهم ويجب أن ينبري اتحادهم بإعادة الاعتبار لصورة عمالنا التي شوّهت عبر هذا الصوت إعلامياً وتنظيرياً، وهذا الصوت يجد له منابره ويعكس نفسه في الإعلام العالـمي، ما دفع الإعلام للبحث عن تقارير تؤيد هذا التوجه، وله مراسلوه الـمتنقلون يبثون عبر الهاتف النقال وعبر الحوار الـمباشر مع مبالغة وتهويل.
وهناك توجه آخر فلسطيني لكنه ليس بارزا ولا صاعدا إعلاميا بصورة كبيرة ومحور هذا التوجه (لا تبالغوا في التفاؤل حتى لا تحبطوا) وأصحاب هذا التوجه ينطلقون من تخوف كبير على مستقبل القدس وبقية الضفة الغربية، مـن خلال تسمين الـمستوطنات وجدار الفصل ومصادرة الأراضي والتحكم بمصادر الـمياه، توجه تحكمه ضرورة عدم الـمبالغة في موضوع غزة على حساب سياسة إسرائيلية استيطانية في القدس وبقية الضفة الغربية.
أصحاب هذا التوجه في غالبيتهم أكاديميون وخبراء في ملف الاستيطان والجدار ومتقاعدون سياسيون من فصائلهم، وصوتهم من الطبيعي غير مسموع وغير مؤثر.
حقيقة الأمر ... أن اليوم التالي سيشهد احتفالاً بلا حدود من كافة فئات الـمجتمع.
حقيقة الأمر ... أن أحداً لن يسجل على نفسه عار الـمشاركة أو الإشارة أو التلـميح بإراقة قطرة دم فلسطينية في اليوم التالي.
حقيقة الأمر ... أن أحداً لن يساهم ولن يقبل أن تكون غزة أخيراً ولا أن يكون صباح اليوم التالي تنفيذاً للسياسة الإسرائيلية في القدس وبقية الضفة الغربية نحو الـمزيد من الاستيطان والجدار ولاءات التفاوض على القدس واللاجئين.
حقيقة الأمر أن الـمستثمرين الجدد والشركات الـمساهمة حديثة التأسيس ستكون لها صولات وجولات، وحقاً أن أخاً عزيزاً قال لي في هذا الـمجال (سارح والناس مروحة)0
تاريخ نشر المقال 20 آب 2005
تعليقات