التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عندما تحولت غزة إلى متحف للكارثة//// بقلم صلاح هنية

كتب على غزة أن تتحول إلى متحف للكارثة على يديّ معماريي الدمار الإسرائيلي ضمن مسلسل التدمير المتواصل الذي بدأ بتدمير أربعماية قرية ومدينة، لا تزال آثارها قائمة، وحتى آخر جولة لا يزال سلاح الجو الإسرائيلي يقوم بعمليات التشطيبط والتخريب فيها. يؤم هذا المتحف برلمانيون وساسة ومثقفون ومهنيون وإعلاميون من كافة أنحاء العالم. وبغض النظر عما يغض الطرف عنه هؤلاء الزائرون، فقد أضحى الأطفال رموز هذا المتحف، بالرغم من أن معماريي الدمار الإسرائيلي لم يخططوا لذلك.
عمليا ما يحدث اليوم هنا هو إعادة اكتشاف غزة وإعادة إنتاج للمشهد، وكأن غزة لم تكن سوى الزائدة الدودية لهذا العالم المفرط في تحضره، وكأن عملية بناء المتحف لا تكتمل، إلا من خلال الحصار الإسرائيلي عليها ومنع كل مكونات الحياة عنها.
مسلسل حدث ويحدث، وكأن إسرائيل لم تدر ظهرها لغزة حسب الخطاب الإسرائيلي من خلال انفصال أحادي الجانب دونكيشوتيّ الطابع، كما اعتادت إسرائيل أن تنسق مع نفسها، ليس لأن ما من شريك فلسطينيّ هناك للتنسيق معه! فخرجت منها واعتبرتها خارج حساباتها السياسية والجغرافية، وكأنها تحقق بذلك أمنية رابين، الذي تمنى أن يصحو ذات صباح وغزة "بح"...
واليوم أيضا يتم التعاطي مع الحوار الوطني الشامل، كما نتعامل مع بورصة في بازار مكشوف، وفي الطلعة كتروا الاحباب، وفي النزلة كلهم هربو!!. كثر الحديث عن الحوار والتحاور الوطني وبات الحديث بين الناس يقفز في الهواء وفي فراغ إذا أردتم، حين عادت عناوين النقاش (بل الملهاة المكروهة) في جلسات الحديث الشعبي حول شكل الحكومة القادمة، وبات البعض يسمي ويستثني ويوزع وزارات، كما لو كانت بطاقات مؤن، وبات البعض يتبادل التهاني على قاعدة (رجعت أيام عزك يا أبو فلان، يدوم عزك يا ابو العز، العز بيلبق لأصحابه). ولكن أي عز هذا وحال الوطن اليوم يعزّ حتى على الكافر، كما يقول المثل؟!
اليوم أيضا ترفع قواعد القطاع الخاص الفلسطيني من أصحاب المنشأت الصغيرة والمتوسطة صوتها عاليا لتحكي عن الأضرارها المنظورة وغير المنظورة التي لحقت بها بشكل تراكمي منذ العام 2002 نتيجة للاجتياحات المتكررة للمدن والحصار والاستيراد، ليس فقط غير المنظم، ولكن المدمر، وعدم منح منتجاتهم الأفضلية. هؤلاء غاب صوتهم عن مؤتمرات فلسطين للاسثمار من بيت لحم إلى نابلس إلى ملتقى لندن، هؤلاء ذاتهم كانوا في بداية التسعينات ما قبل السلطة الوطنية الفلسطينية منتجات واعدة تم التركيز عليها ضمن برامج خاصة للتصدير في قطاعات المنسوجات والألبسة، والجلود والأحذية، والاثاث الخشبي والمعدني. هؤلاء اليوم بات عليهم إخلاء اماكنهم لمستوردات يخجل أصحاب الكونتينيرات القادمة عبر اشدود من حتى وضع أسماء باللغة العربية على أبواب محلاتهم!؟
باختصار المشهد الفلسطيني اليوم يعيدنا إلى المربع الأول، وكأنك يا ابو زيد ما غزيت. ما من شك في أن الاحتلال يتحكم بتفاصيل حياتنا اليومية بالمحرك عن بعد، سواء بالعدوان على غزة وحصارها المتواصل، ومنع مواد باتت أولوية في عملية إعادة الأعمار، إلى تقويض إمكانية قيام الدولة الفلسطينية عبر الاستيطان والجدار وتحويل الوطن إلى كانتونات معزولة.
وضمن المشهد الفلسطيني اليوم نتنافس على الإغاثة والإعاشة والإنعاش والأيواء في غزة .... نتفنن في تفقيع يعضنا البعض بخصوص حكومة وحدة وطنية أو كفاءات أو تكنوقراط، ونحن خير من تفنن في إطلاق التسميات والمسميات والأسماء.
يواصل المجتمع الدولي ممارسة رياضة المارثون الخاصة بالصمت على ما يحدث ومنذ ستين عاما، بل يغض الطرف، ومع سبق الإصرار والترصد، على ما يحدث في غزة من قبل إسرائيل بصورة، يرسمها الإعلام العالمي، وكأن حادثا فظيعا قد وقع ولا بد من الاسعاف والهرولة بمؤن إلى غزة. فالمسرح معد دائما لذلك، وقد يتغيّر بعض الممثلين، إلا أن نص المسرحية لا يتغير، وكأنهم لا يجدون أفضل منه!
أما أن القدرات العربية باتت غائبة، فالعذر كل العذر، أليست هناك حربا عربية باردة؟
شخصيا لم أعد قادرا على التركيز مع توالي عرض الأرقام في موضوع غزة على صعيد الإيواء والإعاشة والإغاثة والمساعدات الاجتماعية وتمكين القطاع الخاص وإعادة شبكات المياه والكهرباء إلى العمل. بت أمقت لغة الأرقام سواء منها أرقام النفقات الجارية في الموازنة، أو أرقام إعادة الأعمار التي باتت سرا، على ما يبدو مصيريا.
التفكير اليوم بأي نشاط تنموي تجد الجواب فورا عبر جهاز الرد الآلي وتقليعة مديري المكاتب وكاتمي السر وحاملي الأختام، والتي عادت للرواج بصورة كبيرة في الأيام الأخيرة. فنحن مشغولون في غزة وما أدراك ما غزة. أما الأمور الأخرى، فما أسهل من رسالة قصيرة تعيد الوطن إلى نطاق التغطية!
المطلوب إعادة ترتيب أولوياتنا
كما نتفنن في كتابة مقترح لمشروع، أو ورقة موقف، أو ورقة محفزة للتفكير، علينا أن نتقن إعادة ترتيب أولوياتنا بصورة ممنهجة ومقبولة وضمن برنامج مرجعي وطني واضح ومجمع عليه.
رأس الهرم في أولوياتنا، التي باتت معيارا لوطنية المتعاطين معها أو المؤثرين فيها من لاعبين أساسيين هو إنهاء الانقسام فورا عبر الحوار الوطني الشامل على قاعدة المصلحة الوطنية العليا. وأقول هنا أن أهل مكة أدرى بشعابها، ونبض الرأي العام الفلسطيني تعكسه مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية التي حملت المشروع الوطني على أكتافها على مر الأعوام، وهذا يجب أن يكون واضحا أنه ليس ورشة عصف ذهني ولا مشروع تنمية موارد مالية أو مزيد من المطبوعات المزركشة من أجل الدعوة للحوار والوحدة الوطنية. من المهم التركيز على أدوات تنفيذ هذه المهمة الوطنية على صعيد التوجيه والقيادة والتنفيذ والمتابعة، بحيث تعود منظمة التحرير الفلسطينية مايسترو هذا التحرك ومظلته وليس مؤسسات تفكير أو تخطيط أو دراسات.

المطلوب العودة للتأكيد والأعلان عن حق شعبنا بأقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ضمن حدود الرابع من حزيران 1967، ووقف الاستيطان وإزالة المستوطنات وترحيل المستوطنين، وإزالة جدار الفصل والعزل، وتعزيز الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتجمع والتفكير وحرية الصحافة والعودة لروح وثيقة الاستقلال الفلسطينية.
يجب النظر إلى موضوع إعادة إعمار غزة كجزء من التوجه الوطني والتنموي العام بعيدا عن تسييس هذا الملف وطرح وضرب وقسمة الأرقام.
المطلوب إعادة مكانة فتح القيادة والتصاقها بالبعد الشعبي وقواعدها التنظيمية التي باتت بعيدة عن رأس الهرم فيها، بإعادة ضخ الدم في شرايينها وإعادة الاعتبار لدور القيادات الشابة. وليس المقصود هنا عمريا بل المقصود الشبوبية فكريا ونهجا وتناغما مع القواعد التنظيمية. المطلوب إعادة صياغة برامجها الاقتصادية والتنموية والإعلامية والاجتماعية والشبيبة والعمالية والفكرية.
سأكرر نفسي والتكرار يفيد الشطار ومن لم يعتبر من الخطأ سيظل في دائرة الخوف المرضي من المستقبل. حتى نستعيد مكانة واعتبار الرأي العام الفلسطيني، يجب أن تضخ له المعلومات ليكون مصدر القرار، بعد استشعار رأيه وتوجهاته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصديق (هشام)والتنوع الايجابي بقلم صلاح هنية

20.08.11 - 22:27 الصديق ( هشام ) كان معنا هو وزوجته ( سمر)في الامسية الرمضانية الاقتصادية التي نظمتها جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في محافظة رام الله والبيرة وفي ذات الوقت كان بقية افراد الاسرة منتشرين في المدينة ( رام الله ) بين نشاط ثقافي في المحكمة العثمانية، وأخر في قصر الثقافة، ومحمود وأحمد اثرا البقاء في البيت على قاعدة ( زاهي وهبة )، باختصار تلك هي الاسرة الفلسطينية النووية التي تسكن رام الله هكذا بالغالب توزع اهتماماته، بينما كان الصديق معنا بكل جوارحه حيث انحاز لأمسيتنا ولملف حماية المستهلك. في الجزء الأخر من المدينة كان الحال مختلفا هناك من يرغب بسهرة رمضانية ( فايعة) بين متابعة مباراة كرة قدم، أو لعبة مسابقات في مطعم ومتنزه في المدينة، أو متابعة مسلسل (الزعيم )على شاشة كبيرة تعويضا عن انتهاء (باب الحارة). شخصيا لن أطلب من اية جهة قضائية منع السهر في المدينة ولا حجب امكانيات برامج المسابقات التي تنظم في مطعا هنا أو هناك، ولن اطلب من أمانة سر المجلس الثوري لفتح أن تتدخل في الأمر سلبا أو ايجابا. شخصيا لن أطلب من أمام مسجد الحي أن يقول عنهم أي شيء لكني احثه أن يحافظ على زخ...

Organize better meetings by NOI

Dec 5, 2011 If you're spending too much time in meetings where little seems to get accomplished, try these four rules to make over your meeting habits: Always have an agenda. And when something comes up that isn't on the agenda, decide on the spot if it's truly important enough to displace another topic (usually it won't be, but sometimes it will be). If it's not, then say, "Let's put that on the agenda for another time" and move the conversation back to what you're there to discuss. Announce at the start what you'd like the take-aways to be. For instance, you might announce that at the beginning, "We have one hour to cover A, B, and C.At the end of this meeting, I'm hoping we'll have ___." Create actions and assign responsibility. At the end of the meeting, make sure the conversation has been translated into action items, and that each action item has a clear owner. Separate group meetings and 1-to-1 check-ins. Group meetings...

معهد السياسات العامة-IPP يصدر العدد السادس من "فصلية سياسات"

صدر حديثا عن "معهد السياسات العامة" برام الله، العدد السادس من فصلية "سياسات"، يقع في 160 صفحة ويتناول مجموعة من القضايا والمفاهيم المحلية والعربية، تندرج في دائرة تعميق فهم الحال الفلسطيني وما انتهى إليه بحثاً عن المخارج الممكنة. ففي العدد يكتب الباحث طلال أبور ركبة من مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان حول أزمة الديمقراطية العربية وتعثر المشروع الديمقراطي العربي بسبب عثرات داخلية تتعلق بالسياسية العربية ذاتها أو بالتدخل الخارجي. وضمن نفس الاتجاه يكتب الباحث محمد حجازي حول الإسلام السياسي والعملية الديمقراطية: فلسطين نموذجاً. ويقدم الباحث محمد أبو دقة دراسة مطولة حول أزمة التمثيل الفلسطيني بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية. في زاوية المقالات يكتب الدكتور واصل أبو يوسف، أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية حول الحال الفلسطيني داعياً إلى إعطاء أولوية لإعادة لحمة الوطن ولتفعيل منظمة التحرير ولتقييم مسار المفاوضات. كما يكتب هشام أبو غوش، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حول قرارت المجلس المركزي الأخيرة منوهاً إلى أهميتها في تعزيز ش...